تركيا زعيماً إقليمياً وقائداً للعالم الإسلامي

الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما لتركيا، والخطاب الذي ألقاه في البرلمان التركي هو تحول بكل المقاييس من نواح عديدة: إنه أولاً: نتيجة لتحولات في تركيا ذاتها من صنع العدالة والتنمية، وهو ناتج أيضاً عن توجه جديد للإدارة الأمريكية يسعى لتخفيف حدة الكراهية لأمريكا في العالم الإسلامي وتلطيف ما كان أصبح يعبر عن صدام الحضارات والذي كان من منطلقات الإدارة الجمهورية لبوش، هناك متغيرات تركية ومتغيرات أمريكية، وهذه المتغيرات وتلك لا تنفي وجود استراتيجيات وثوابت للسياسة الأمريكية إن قدوم الرئيس الأمريكي وخطابه للعالم الإسلامي عبر تركيا ربما جاء في الوقت المناسب إنه إضافة إلى تطلعات الأتراك (العدالة والتنمية) الذين يوصفون بالعثمانيين الجدد لاستعادة الدور الريادي لتركيا ويساعد في إحياء مشاعر الوحدة الإسلامية وحدة الأمة، وزيارة الرئيس الأمريكي وخطابه هو إشارة إلى تغليب الحوار على الصدام مع العالم الإسلامي، وهو عبر تركيا أكثر أهمية ومصداقية.

لقد ألقى خطاباً في البرلمان تحدث فيه عن شراكة استراتيجية مع تركيا، وتطلعات أمريكية لجسر الهوة بين الغرب وفي الطليعة أمريكا وبين العالم الإسلامي.

وتحدث منتدى حوار الحضارات في اسطنبول وزار المسجد الأزرق، وتحدث إلى مجموعات دينية.

وتوصف علاقات تركيا الخارجية بأنها عرجاء تقوم على قدم واحدة وباتجاه واحد نحو الغرب في عام 96 وحين ترأس نجم الدين أربكان الحكومة التركية بالتناوب مع نانسوا شايلدر وظف وجوده على رأس الحكومة على الرغم من قصر الفترة للإلتفات إلى الجانب الآخر العالم الإسلامي وأسس منظمة الثمان تركيا مع سبع دول إسلامية، ونجح -نسبياً- في جعل تركيا تقف على قدمين.

2- تتمتع تركيا بعلاقات إيجابية مع الأطراف الإقليمية والدولية المتنافرة:

- عضو في حلف شمال الأطلسي.

- تأثير إقليمي واسع يمتد من آسيا الوسطى إلى شمال القوقاز وفي وسط أوروبا البلقان.

- علاقاتها طبيعية مع سوريا وإيران.

- لها علاقات مع (إسرائيل) وفي الوقت نفسه علاقات مع حركة (حماس).

- لم يغب عن أذهان الحكومة التركية المحافظة على علاقات إيجابية مع مصر والمملكة.

* الأزمات:

- دخلت على خط الأزمة بين جورجيا وروسيا.

- دخلت في إدارة الأزمة أثناء الحرب على غزة، وكانت مواقفها متميزة انتقادات شديدة اللهجة للحكومة العبرية.

- نجحت – ومع نجاح المقاومة في غزة- في إقناع الأطراف الأوروبية بضرورة التعامل مع حماس.

- وفي الأزمة العراقية هناك إصلاح للعلاقات التي تأثرت سلباً بحزب العمال وشراكة تجارية مع العراق.

على المستوى المحلي هناك استقرار سياسي لتركيا، واستقرار وصعود اقتصادي لتلك العوامل فظلت إدارة الرئيس الأمريكي مخاطبة العالم الإسلامي من تركيا وبعد أن وصفت وزيرة الخارجية الأمريكية أردوغان بزعيم الشرق الأوسط جاء الرئيس ليؤكد زعامة تركيا للعالم الإسلامي. ماذا تريد أمريكا من تركيا؟

إنه بالنظر إلى موقعها وتاريخها وبالنظر إلى حالتها الراهنة واستقرارها، وبالنظر إلى علاقاتها المتوازنة مع أطراف شتى ولما كانت قد دخلت لاعباً إقليمياً على خط الأزمات فإن إدارة الرئيس أوباما ربما وحدث ضالتها في لاعب إقليمي يتوفر فيه المواصفات:

1- التخفيف من الكراهية للولايات المتحدة في العالم الإسلامي.

2- لعب دور في الشئون المثيرة للحروب واللاإستقرار في المنطقة خاصة القضية الفلسطينية والتفاوض بين سوريا والدولة العبرية.

3- أن تلعب دوراً في الأقاليم الجارة لروسيا وحيث إن الأخيرة تسعى لاستعادة نفوذها السوفيتي السابق التصادم معه لكن دون التصادم مع روسيا.

4- ممراً لنفط وغاز آسيا الوسطى إلى البحر المتوسط.

5- لعب دور موازٍ للدور الإيراني في العراق ماذا تريد تركيا من الولايات المتحدة!

بالمقابل فإن حكومة تركيا ذات الطبيعة الاستراتيجية تريد من علاقاتها بالولايات المتحدة:

1-مساعدتها على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

2- التخفيف من الانحياز المطلق لـ»إسرائيل».

3- تحسين علاقات المسلمين بالغرب والتخفيف من الإجراءات التي اتخذت عقب أحداث سبتمبر 2001م.

4- مساعدة تركيا على حل المشكلة الكردية.

5- تحويل العلاقات بين الإسلام والغرب من حالة الصدام إلى حوار وتعاون أوسع.

* عوائق:

هناك عناصر تشكل عوائقاً في العلاقات التركية الأمريكية أهمها ما يتصل بقضية الأرمن مطلع القرن الماضي.

كما أن المصالح قد تتعارض في ما يتصل بالعلاقات مع روسيا وآسيا الوسطى.

إضافة إلى حزب العمال الكردستاني ووجود شكوك مساعدة أمريكية (إسرائيلية).

لكنها تظل ضئيلة مقارنة بعوامل التعاون.

* آثار وانعكاسات:

تزعّم تركيا للمنطقة يعني بالضرورة إقرار فشل سياسة تنصيب (إسرائيل) زعيماً وهو في الوقت نفسه يأتي في حوار وقيادة تركيا للعالم الإسلامي يعني بالضرورة أن إيران لم تعد وحدها المتحدث عن الإسلام والمسلمين وقضاياهما وأن تركيا تستطيع بثقلها السني وموقعها وواقعها أن تكون أكثر فاعلية في القيادة.

هل يقع صراع بين تركيا وتلك الأطراف من الواضع أن أوباما الذي خاطب إيران من تركيا وتحدث عن دولة فلسطينية قد وجه رسالتين للطرفين العبري والإيراني.

إن السياسة التركية القائمة على الإنسان والمعلومة والمال والاقتصاد والتعليم تسعى لتكون قوة لاعبة وفي الوقت نفسه من دون مواجهة مع الآخرين أو الصراع معهم وتلك واحدة من المميزات التي تحافظ على القوة التركية بعيداً عن الاستنزاف.

غير أنه بكل المقاييس سيقع الصراع لاحقاً وقد يظل في إطار طبيعي (تنافس محموم) وقد يتحول إلى محاولات أطراف لإضعاف تركيا لكن أنى لها؟

* زعامة تركيا بين الاستقلال والتبعية:

قد ينظر إلى قيام الإدارة الأمريكية بالإقرار لتركيا بزعامة العالم الإسلامي والزعامة الإقليمية وتفضيل أن تكون تركيا لاعباً إقليمياً على أنه تحديد أدوار من قبل الولايات المتحدة وفيه بُعدان الأول أنه تبعية للسياسة الأمريكية والآخر أنه محدود بسقوف لايمكن لتركيا تجاوزها مع الإقرار بأن الولايات المتحدة لا يقبل بوجود قوة منافسة في المنطقة، فإن هناك مجموعة من العوامل تجعل تركيا قوة إقليمية ولاعب أساس بالأصالة وليس بالوكالة عن واشنطن.

تدرك القيادة التركية أنه بالإمكان أن تصبح تركيا قوة اقتصادية هائلة ومن ثم يتعزز دورها أكثر والجانب الاقتصادي لا يثير مخاوف الأمريكيين إلا الجانب العسكري.

إن الأولويات للاقتصاد والتعليم وليس للعسكرة.

تركيا جغرافيا وتاريخ وواقع قائم الآن مؤهلات للقيادة الإقليمية والإسلامية، وحديث الأمريكيين هو تحصيل حاصل وإقرار بواقع.

لقد تحدث الرئيس التركي عبدالله غل عن تطلعات اقتصادية وسياسية لتركيا وأمريكا متشابهة وهو حديث يعبر عن ندّيّة ولا يشير إلى أي قدر من التبعية.

فعلا


كلام واقعي