الشيء الوحيد الذي لا يفكر به المسؤولون اليمنيون إطلاقاً هو تقديم استقالاتهم مهما بلغت درجة إخفاقاتهم، ومهما انكشف فسادهم وسوء أدائهم وغدت سمعتهم في الحضيض، وكأنهم كائنات فاقدة للإحساس ومنزوعة الحياء والقيم والأخلاق أو هكذا يراد منهم وأحد أهم شروط بقاءهم.
استقال وزير شؤون القدس الفلسطيني حاتم عبدالقادر الأسبوع الماضي بسبب هدم منزل في حي الطور شرق القدس الشريف وقال أنه لم يتمكن من عمله في هذه الوزارة وأن حكومة فياض لم تف بالتزاماتها تجاه المدينة المقدسة، والشواهد كثيرة في كل بلدان العالم إلا في اليمن حيث يخاف المسؤولون من تقديم الاستقالة رغم أن حالات نادرة حظيت باحترام وإعجاب المواطنين العاطفيين بطبعهم حيث يغفرون للمسؤول كل أخطائه مهما كان حجمها فقط لأنه تجرأ واحترم نفسه أولاً وقدم استقالته بينما في دول أخرى لم تعد الاستقالة كافية ولابد من تحقيق واسع ومعاقبة الفاسدين.
قدم الدكتور فرج بن غانم –رحمه الله- استقالته من رئاسة الوزراء عام 98م رداً على رفض القيادة السياسية إجراء بعض الإصلاحات في حكومته، وتحول إلى نجم يشار إليه بالبنان، وغدا مضرب المثل في الكفاءة والنزاهة والإخلاص وهو كذلك بشهادة الجميع، فيما رؤساء حكومات قبله كثر ربما فيهم من هو أكفأ وأكثر إخلاصا من الدكتور فرج لكن لم يعد أحد يذكرهم إذا استثنينا كتب التاريخ بل إن رؤساء حكومات سابقة لا تزال لعنات العامة تطاردهم حتى اليوم.
استقال المهندس فيصل بن شملان من وزارة النفط –وما أدراك ما وزارة النفط؟!- احتجاجاً على الفساد والنهب المنظم لهذه الثروة الهامة ويكفي الإشارة إلى الالتفاف الشعبي حول هذا الرجل العظيم في الانتخابات الرئاسية الماضية 2006م لمعرفة قدره.
أصبح عبدالقادر هلال بطلاً لأنه آثر كرامته على وزارة الإدارة المحلية بعد دس رخيص للأجهزة الاستخباراتية، والجميع تحدثوا عن شجاعته خصوصاً وهو القادم من مهبط الحكم بعيداً عن قبوله رئاسة لجنة رئاسية مؤخراً لتهدئة الأوضاع في ردفان والضالع.
نال الدكتور سيف العسلي احترام وتقدير الكثيرين بمن فيهم الذين ناصبوه العداء أثناء توليه وزارة المالية لأنه رفض حقيبة التجارة والصناعة في آخر تشكيلة حكومية إذ لم يقبل إهانة صانع القرارات الجمهورية ومعاملته كزملائه بإسنادهم مهام دون علمهم أو موافقتهم كنوع من الاستخفاف والتحقير.
صحيح أن العسلي لن يمانع من تولي منصب وزير الدولة لشؤون مجلسي النواب والشورى في أي تشكيل حكومي قادم برئاسة أي شخص لكن يظل رفضه لوزارة التجارة والصناعة نقطة تحسب له.
إذن كل من قدموا استقالتهم كبروا في عيون الشعب، فلماذا يرفض الغالبية العظمى من المسؤولين الاقتداء بهم خصوصاً وأن الأمور تتجه نحو الأسوأ أم ينتظرون خروجهم بأقرب تعديل حكومي غير مأسوف عليهم وقد فقدوا احترام وتقدير كافة المواطنين في أحسن الأحوال، أم ينتظرون مكافأة نهاية الخدمة أسوة برئيس الوزراء الأسبق الدكتور عبدالكريم الإرياني، ووزير المغتربين السابق الدكتور صالح سميع الذي قدم استقالته من الوزارة وأخفاها عن وسائل الإعلام فكان جزاؤه أن أقيل بعد أيام وأتبع بتصريح لمصدر مسؤول اتهمه بالفساد ولو أنه أعلنها لكان خرج بشرف.
ترى ما الذي تبقى للعملية التعليمية حتى يبقى وزير التربية والتعليم الدكتور عبدالسلام الجوفي في منصبه؟!
ظاهرة الغش في هذا العام الدراسي كفيلة باستقالة نظام بأكمله نظراً لما يمثله التعليم لبناء الدولة.
رئيس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد أول خطوة اتخذها في سبيل نهضة بلده هي إصلاح التعليم، وها هي دولة أمريكا اللاتينية الفقيرة تعلن قضائها نهائياً على الأمية، فنحو 97% من سكان بوليفيا أفقر دولة في أمريكا الجنوبية يجيدون القراءة والكتابة، ونحن بحدود تسعمائة خرق ومخالفة معلنة شهدتها امتحانات الشهادتين الأساسية والثانوية هذا العام خلال عشرة أيام وما خفي كان أعظم.
شخصياً توقعت استقالة الجوفي بعد عملية القيد والتسجيل التي قامت بها اللجنة العليا للانتخابات بالاستعانة بالتربويين حيث أظهرت حالات تزوير مخيفة أبطالها المعلمون. وفوجئت أن الوزير تباهى بمشاركة كوادره أثناء زيارة ميدانية لمحافظة لحج معتبراً ذلك اسهاماً في العملية الديمقراطية.
يستحيل في بلد غير اليمن أن يظل وزير الداخلية على كرسي الوزارة في حال عجزت الأجهزة الأمنية عن إلقاء القبض على قاتل منذ ما يزيد عن نصف عام. في شهر مايو المنصرم وجه رئيس الجمهورية بتكليف حملة أمنية لتعقب وضبط قاتل الطبيب درهم القدسي وفشلت هذه الحملة وحتى اللحظة عجزت وزارة الداخلية عن القبض عليه ومع هذا لا يزال اللواء مطهر رشاد المصري وزيراً للداخلية.
تخرج بلادنا من هزيمة إلى أختها في كرة القدم ووزير الشباب والرياضة حمود عباد كمنارة جامع الصالح فوق الكرسي، فضيحة قضائية تلو فضيحة ولا يبدو أي شعور بالخجل لدى وزير العدل الدكتور غازي الأغبري.
غرق الطلاب في الحديدة وخرج وزير التعليم العالي الدكتور صالح باصرة بإحدى الحسنيين: إما استقالة رئيس جامعة الحديدة أو إقالته في غضون أسبوع وقد مضى شهر على الحادثة والدكتور قاسم بريه رئيساً للجامعة وباصرة وزيراً للتعليم العالي.
الريال يهرول باتجاه الزوال وضخ مستمر لإيقاف تدهوره بمليارات الدولارات وأحمد السماوي محافظ البنك المركزي يفاخر بمراقبة السوق.
أزمة في الكهرباء والمياه وغش في تنفيذ المشاريع ومستشفيات سيئة وسياسة خارجية خبط عشواء ومع هذا لا نسمع عن استقالات قدمت.
* رئيس تحرير صحيفة الناس حفظه الله ورعاه
الإثنين مايو 15, 2023 7:04 am
موضوع: لماذا لايستقيلون 
الأربعاء يوليو 08, 2009 5:12 am
