تتسارع الأحداث على أرضنا اليمنية وكأنها تنذر بكارثة يمكن أن تأتي –لاسمح الله- على كل منجزات ونضالات شعبنا ومقدراته، وتجاهل ذلك والإصرار على أن كل شيء على ما يرام هو هروب وعدم اعتراف بالواقع.
حلقات من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كلما خرجنا من واحدة دخلنا في التي تليها، ثروتنا النفطية تؤذن بالنضوب قبل أن يستفيد المواطن منها، البنى التحتية لا تزال متخلفة، ومستوى الخدمات متدنٍ وليس كافياً، عجز فاضح في إقامة العدل والإنصاف، وفساد يأكل الأخضر واليابس..
لكن الأخطر من ذلك الأصوات النشاز التي لا تكتفي بالدعوة للإنفصال، وإنما تدعو للكراهية والحقد بين أبناء الشعب، بل وتنادي بالانتقام من بعض المواطنين الذين لا دخل لهم في السلطة ولا صلة لهم بأخطاء الحكومة، فقط لأنهم جاءوا إلى المحافظات الجنوبية الشرقية والجنوبية للعمل أو التجارة، وهذا انتكاس مخيف لقيم الإخاء والمحبة التي عرف بها اليمنيون، الذين كانوا عبر التاريخ شعباً واحداً، إذا ضاق الحال ببعضهم في شطر انتقل إلى الشطر الآخر بكامل حقوق المواطنة التي تجعله يعيش ويتعلم ويعمل ويتولى أعلى المناصب في الدولة.
لقد قابلت أحد أساتذة الجامعة الذي أمضى قرابة عقد يعمل مدرساً في إحدى الجامعات في محافظة شرقية، يؤدي واجبه في تعليم طلابه، لم يتول عمادة كلية ولا رئاسة قسم، ولم يحصل على أرضية، ولم يحاول حتى شراء منزل لكنه بدأ يسمع كلمات تجرح مشاعره وتشعره بأنه غير مقبول وتحسبه ضمن المتنفذين، ما اعتبره نكراناً للجميل، وخروجاً عن الإسلام التي تدعو للمحبة والإخاء.
هذا الانحراف في معيار العلاقات الاجتماعية جدير بالتوقف عنده بتأمل لا يغفل المستجدات ولا يدافع عن الأخطاء، لا ينكر حقائق الظلم ليعالجها ويقضي عليها، وعلينا أن نتذكر أن اليمني مهاجر – بطبيعته- وقد استطاع بحسن خلقه أن يعيش في كل دول العالم، ويندمج مع المجتمعات التي انتقل إليها رغم اختلاف اللغة والثقافة، وصار مواطناً محبوباً له ممتلكات وتجارة واسعة، بل صار جزءاً من أنظمة الحكم في تلك الديار التي يعيش فيها، وتبوأ مواقع الوزارات بل الإمارات والسلطنات، ولو اعتمد ثقافة رفض الآخر، والتنكر للعلاقات الأخوية فستكون خسارته فادحة إذا عُومل بهذه النظرة الضيقة، ولعلنا مانزال نشعر بالآثار الكارثية لحرب الخليج التي خسر فيها المغتربون اليمنيون أعمالهم والكثير من ممتلكاتهم, وأمسى مئات الآلاف منهم عالة على وطن لم يكن على استعداد لاستيعابهم، ولم يوفق قادتهم في اختيار الموقف الملائم حينها.
أما الذين يدعون إلى الانفصال فيخسرون المستقبل لأن العالم اليوم يبحث عن الاجتماع وجميع الطاقات والإمكانات، كما أن هذه الدعوات تدل على مستوى الإحباط واليأس الذي يجب أن نتخلص منه، ونحن نعلم أن مايشكوه هؤلاء من ظلم أو استبداد أو سطو على الأراضي العامة للدولة أو انعدام للعجالة أو تمييز يبن المواطنين بسبب الانتماء السياسي ليست مشكلة المحافظات الجنوبية والشرقية فقط بل هي قضية كل المواطنين في كل المحافظات.
ولقد تابعت باهتمام اجتماع اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام، وكذا المؤتمر العام السابع في دورته الثانية، وكنت أتمنى أن أسمع ما يطيب الخواطر، ويهدئ النفوس لكني شعرت بخيبة أمل كبيرة، لأن الحزب الحاكم لم يستوعب بعد مخاطر الأوضاع الملتهبة، ولم يدرك أنه سبب رئيس لما يحدث بتصرفاته التي تتميز للتفرد والإقصاء، واتهام الآخر بأنه يدافع عنه مصالحه فقط، وكأن الإخوة في المؤتمر الشعبي العام، ملائكة منزهون عن حظوظ النفس، وأنهم يجب أن يظلوا في السلطة كقدر لا يجوز الخروج عنه، وأن لهم الحق الكامل في تسخير كل إمكانات الدولة لتقزيم الآخرين وحكمهم بالأساليب الديكتاتورية التي ترتدي قميص الديمقراطية!!
إذا كان هناك من يحرص على المصالح العليا للوطن فإنه لابد من وضع النقاط على الحروف، والعمل لإزالة كل أسباب الاحتقان، ومنها على سبيل المثال:
* تطبيق آليات صحيحة للخيار الديمقراطي يسمح بالتداول السلمي للسلطة بعيداً عن الإستقواء بإمكانات الدولة والمال العام والإعلام الرسمي الذي أفقد المواطن الأمل في التغيير نحو الأفضل.
* التوقف عن التصرف بأراضي الدولة وممتلكاتها ووضع قانون يحدد وينظم ذلك بحيث يحصل المواطن البسيط على قطعة أرض يبنى عليها بيته في أمان، وينتهي هذا المشهد العابث بالأراضي.
* الفصل التام بين التجارة والسلطة، فلا يصح أن ينافس المسئولون القطاع الاقتصادي بكل أنشطته، ومن يُرد منهم المنافسة فعليه أن يتخلى عن السلطة، وهذا مبدأ معروف عند علماء الاقتصاد والاجتماع قديماً وحديثاً بأن الجمع بين السلطة والتجارة مفسدة محققة.
* الانتقال إلى الحكم المحلي واسع الصلاحيات وليس كما حدث فيما سمي بانتخاب المحافظين!!
* أخيراً لابد من اعتماد ثقافة القبول بالآخر وعدم احتكار الوظيفة العامة، ورفع اليد عن منظمات المجتمع المدني لتعمل بحرية ودون تدخل رسمي وإشراك كل القوى السياسية في الإعلام الرسمي.
الإثنين مايو 15, 2023 7:04 am
موضوع: دعوة للتأمل والمراجعة في المستجدات.. 
الجمعة مايو 08, 2009 4:49 am
