كاريكاتير اليوم

تتعاظم اعداد الشهداء والجرحى في قطاع غزة بفعل تواصل الغارات الجوية التي تشنها الطائرات الاسرائيلية منذ ثلاثة ايام، والامر المؤكد ان نسبة كبيرة من هؤلاء الضحايا هم من الاطفال والمدنيين ولهذا ترفض السلطات الاسرائيلية السماح للصحافيين والمراقبين الاجانب من دخول القطاع للاطلاع على الاوضاع عن كثب حتى لا ينقلوا الى العالم، بالصوت والصورة، تفاصيل المجازر المترتبة على هذا العدوان.
فالقيادة الاسرائيلية اختارت ان تطلق طائراتها الحديثة لقصف القطاع ظهر يوم السبت، ساعة اكتظاظ الشوارع بتلاميذ المدارس والمدنيين، لالحاق اكبر قدر من الضرر بابناء القطاع، مما يعكس رغبة دموية في القتل والدمار.
واللافت ان هذه القيادة استخدمت الاسلوب الامريكي في العراق اي 'الصدمة والرعب' من خلال تكثيف الغارات الجوية وقتل حوالي ثلاثمئة شخص في اليوم الاول على امل ارهاب المقاومة ودفعها الى الاستسلام، ولكن ما حدث جاء بنتائج عكسية تماما، فقد جرى امتصاص هذه الضربات، وتوظيفها لحشد الرأي العام العربي والعالمي ضد اسرائيل.
الحكومة الاسرائيلية ظهرت امام العالم بأسره بانها تتلذذ بقتل العملية السملية وتوتير الاوضاع في المنطقة العربية في وقت يتطلع العالم بأسره الى التهدئة، ومعالجة آثار الحروب الكارثية التي شنتها الادارة الامريكية في العراق وافغانستان لخدمة اهداف اسرائيلية.
بالامس حذر ديفيد ميليباند وزير الخارجية البريطاني من ان الغارات الجوية الاسرائيلية على غزة تهدد بعرقلة مساعي بناء سلام شامل في الشرق الاوسط وتساهم في نشر التطرف. وكان مصيبا في ذلك، لان هذه الغارات قتلت حل الدولتين، ودمرت مصداقية الطرف الفلسطيني المشارك في العملية السلمية امام ما تبقى من مؤيديه، وأحرجت الانظمة العربية المعتدلة التي اصدرت مبادرة السلام العربية، ومهدت لاستيعاب اسرائيل في المنطقة، والتطبيع السياسي والاقتصادي معها من خلال اطلاق حوار الاديان.
السيدة تسيبي ليفني هي التي كانت تقود الوفد الاسرائيلي في مفاوضات السلام مع السلطة الفلسطينية في رام الله، ولعبت دورا كبيراً في تفريغها من محتواها، وعرقلة اي تقدم نحو التسوية. وها هي تطلق رصاصة الرحمة على العملية السلمية برمتها بالقاء اكثر من مئة طن من القنابل والمتفجرات فوق رؤوس ابناء قطاع غزة في اليومين الأولين للغارات.
العالم الغربي الذي دعم اسرائيل دائماً بالمال والسلاح وتستر على جرائمها من خلال اعلام منحاز مارس أبشع انواع الخداع والتضليل، واستخدام 'الفيتو' في مجلس الأمن الدولي ضد اي قرار بفرض عقوبات عليها، هذا العالم يكافأ حاليا من قبل اسرائيل بتهديد أمنه، وتعريض ارواح ابنائه لخطر اكبر، لأن اسرائيل بمثل هذه المجازر التي ترتكبها تقدم ذخيرة غير عادية للجماعات المتشددة، والاسلامية منها على وجه الخصوص.
ففي الوقت الذي تسعى فيه اوروبا وامريكا الى بذل جهود كبيرة لاعادة كسب عقول العرب والمسلمين وقلوبهم، تقدم الحكومة الاسرائيلية على هذه الحماقة، من اجل تحقيق مكاسب انتخابية رخيصة، مما يثبت ان هؤلاء السياسيين الاسرائيليين لا يضعون أمن العالم واستقراره الا في ذيل اولوياتهم، فكل ما يهمهم هو مصالحهم الذاتية الضيقة، حتى لو جاء ذلك على حساب تغذية جماعات العنف والارهاب، وتحويل شوارع اوروبا ومحطات قطاراتها الى برك من الدماء.

:|