الانتخابات الرئاسية من صنعاء إلى واشنطن

عن التداول السلمي للسلطة..
الانتخابات الرئاسية من صنعاء إلى واشنطن * عادل أمين
انتهت الانتخابات الأمريكية الأطول في العالم من حيث الإعداد والتحضير والأكثر تأثيراً على مجريات السياسة والاقتصاد الدوليين بصعود رجل أسود من أصول أفريقية إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة ليكون سيداً للبيت الأبيض لأربع سنوات قادمة، وبصرف النظر عن الطريقة التي يحبذها الأمريكيون في إدارة شئون بلادهم وحجم الدور الذي يلعبونه في صياغة السياسة العالمية، وبصرف النظر كذلك عن الآلية التي تدار بها انتخاباتهم الرئاسية والنيابية ومدى تأثير جماعات المصالح فيها وكذا مراكز القوى واللوبيات المتصارعة على مراكز صناعة القرار، فإن أحداً لا يمكنه في النهاية إلاّ أن يرى صورة مشرقة تعبر إلى حد كبير عن رأي الشارع الأمريكي وتعكس إرادة التغيير لديه، وتؤكد بأن قرار اختيار الرؤساء أو تنحيتهم ما يزال بيد رجل الشارع برغم كثافة الدعاية الانتخابية المسلطة عليه، وبالطبع فنحن لا نؤمل كثيراً على هذا الرئيس أو ذاك ديمقراطياً كان أم جمهورياً، فسياساتهم في ما يتصل بمنطقتنا العربية وقضيتنا الفلسطينية واحدة، وما يعنينا هنا هو التجربة الديمقراطية الأمريكية التي مهما شابها من عيوب وأخطاء إلاّ أنها تظل تجربة فريدة ومتميزة.
بين ديمقراطيتين
في ديمقراطيتنا العربية(واليمنية منها على وجه الخصوص) التي ما تزال تزحف على بطنها وترفض النهوض على قدميها ومسابقة الآخرين يقال لنا دائماً عند بدء العملية الانتخابية الرئاسية منها خصوصاً إن الشعب ما زال غير مهيأ للتغيير، وإن البدائل المتاحة غير صالحة لتحل محل القيادة الحالية للبلاد! لا أحد بحكمة الزعيم ولا بمثل حنكته وشجاعته وخبرته، إنه الرجل الملهم، والقائد الرمز، صانع المنجزات، ومفجر الثورات، وباني الحضارات بالرغم من كل الشقاء الذي نعانيه! والفقر الذي نتجرعه! بالرغم من كل التخلف الذي نعيشه والخراب الذي نشاهده والحروب التي تطحننا وتستهلك ثرواتنا وتمزق وطننا! بالرغم من كل الفساد الذي أكل الأخضر واليابس وما أبقى لنا شيئاً نتبلغ به! بالرغم من الفشل الذي يصاحب حكومته، والانهيار المريع في مؤسسات الدولة التي ماعادت دولة مؤسسات بل دولة فرد يحتكر بيده كل شيء.
الزعيم العربي الرمز القابع على كرسي الحكم منذ عصور ما قبل التاريخ يرفض مغادرة موقعه حتى يغادر أبو الهول مكانه! إنه صمام أمان البلاد وضمان مستقبلها الضائع الذي بيع منذ أمد بعيد بأبخس الأثمان.
لكن كيف تبدوا الصورة في الانتخابات الأمريكية والغربية عموماً؟ دعونا نرى ..
1- في الانتخابات الأمريكية لم نسمعهم يتحدثون عن لجنة عليا للانتخابات، ولم نعلم بوجود حوار ثنائي بين الأحزاب على تعديلات في قانون الانتخابات وفي آلياتها استمر لأعوام ثم انتهى بتصويت البرلمان لصالح الحزب الحاكم، وبالمناسبة لا توجد سلطة حاكمة في الولايات المتحدة بل توجد إدارة للحكم وشتان بين الأمرين، لقد جرت الانتخابات بشفافية كاملة بعيداً عن جدل من يكون رئيس اللجنة العليا للانتخابات، ومن أي الحزبين هو! وكم نسبة الحزب الحاكم في تلك اللجنة، ومن هي اللجان المشرفة على إدارة العملية الانتخابية، ونتيجة لوجود نظام انتخابي نزيه وشفاف فقد تمكن رائدا فضاء أمريكيان من الإدلاء بصوتيهما وهما يؤديان عملهما على متن مركبة الفضاء.
2 - لم يقل أحد من السياسيين أو المراقبين(أو المتملقين) أن لحزب الأغلبية الحق في إدارة العملية الانتخابية والاستفراد بها كونه صاحب الأغلبية النيابية في البرلمان، كما أن الحزب الحاكم لم يفرض نفسه على إدارة العملية الانتخابية بقوة السلطة التي بيده.
3 - في يوم واحد تم فرز أكثر من (130) مليون صوت دون أن يتم التلاعب بنسبة التصويت لصالح هذا الطرف أو ذاك، ودون أن يتم تسريب نسبة تصويت عالية لصالح حزب الحاكم بغرض ممارسة حرب نفسية على منافسه، ليعودوا مرة أخرى فيصوغوا نسبة فوز جديدة لأصحاب السلطة وفقاً لترتيبات مسبقة.
في بعض دول العالم الأكثر عراقة في الديمقراطية منذ عصر الملكة بلقيس تستمر عملية فرز أصوات الناخبين الذين لا يتجاوز عددهم الستة ملايين ناخب لأكثر من أسبوعين! وبرغم هذه المدة الطويلة التي يقضونها في الفرز إلاّ أنهم يعلنون فوز الحاكم بما نسبته 80% من الأصوات ليلة الاقتراع!!
4 - جاءت نتائج الانتخابات متوافقة مع نتائج استطلاع الرأي التي ُاجريت من قبل والتي أكدت فوز باراك اوباما مرشح الحزب الديمقراطي، ولم يقل أحد أن ثمة تلاعب بنتائج الانتخابات أو تزوير لإرادة الناخبين، وبمعنى آخر فقد حسم الناخبون النتيجة قبل أن تبدأ العملية الانتخابية بوقت مبكر، أما عندنا فإن السلطة تفوض أجهزتها الأمنية لاتخاذ قرار الحسم.
5 - قرر الشعب إحداث التغيير في الحكومة القائمة التي تسببت بأزمة مالية عالمية عصفت بثروته وأهدرت أمواله في حرب خاسرة في العراق وأفغانستان، وتسببت بمقتل الآلاف من المواطنين خارج البلاد، وتدهورت سمعتها في العهد الجمهوري إلى الحضيض، لذا عزم الناس على التغيير وكان لهم ما أرادوا لأنها أمة حية قرارها بيدها،وديمقراطيتها ليست منة من الحاكم أو هبة منه،وليس بيده ولا بمقدوره أن يعيد النظر في الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية متى ما شاء ويمارسها متى ما أراد، في حين ما تزال هنالك شعوب كثيرة ترزح تحت وطأة الظلم والفساد والاستبداد، تتجرع الذل والهوان، تعيش حياة الفقر والبؤس والجوع والمرض، ترضى بالقهر والتسلط ، ويقال لها مع ذلك أنتم في خير لأن البديل سيكون أسوأ.
6 - َقبل الحزب الحاكم بنتائج الانتخابات برحابة صدر وأعلن هزيمته وتهنئته للفائز، في حين سارع الرئيس بوش لجمع موظفي البيت الأبيض وحثهم على سرعة نقل السلطة بشكل سلس إلى الرئيس الجديد، وهاهو يغادر كرسي الحكم بهدوء دون أن يزعم بأنه كرسي من نار، ودون أن يهدد بصوملة البلاد أو تحويلها إلى عراق أخرى في حالة لم يفز حزبه ، لم يتجرأ بالقول أن السلطة حق مكتسب واستحقاق وحدوي كان لي شرف صناعته لوحدي.
7 - الحزب الجمهوري والرئيس بوش الذي أشعل الحرب في العراق وأفغانستان وبلدان أخرى في العالم والذي قاد حرباً عالمية على ما يسميه بالإرهاب لم يلجأ إلى إرهاب خصمه أو إرهاب الشارع لدوافع انتخابية، فلم يعمد إلى تلفيق مسرحية هزلية يكتشف من خلالها بأن أحد الإرهابيين يقف خلف المرشح الديمقراطي أوباما.
أليس غريباً أن زعيم العالم في مكافحة الإرهاب وهندسة الإإرهاب وصناعة الإرهاب ترك لعبة الإرهاب جانباً حين تعلق الأمر بمستقبل بلده؟ لم يوعز لجهاز المخابرات بتدبير عملية إرهابية قبيل بدء الانتخابات بأيام، أو اعتقال خلية إرهابية في بيت تستأجره أجهزة الأمن لذات الغرض، لم يخلق حالة من الرعب والهلع في أوساط الناخبين على قاعدة أنا أو الطوفان من بعدي، أو من ليس معي فهو ضدي.
8 - في أمريكا لا أحد يتجرأ على الإنفاق على حملته الانتخابية من الميزانية العامة للدولة خارج المخصص المسموح به، لذا لم يستغل الحزب الحاكم أموال الشعب في شراء الولاءات وكسب الأصوات، ولم يسرق مخصصات المتقاعدين وأموال الضمان الاجتماعي وفوارق أسعار النفط وما يتم تخصيصه عادة لترميم الكنائس لينفقها على حملته الانتخابية ليقول للناس بعدها وبكل وقاحة انه استلفها لمهمة وطنية وسيعيدها بعد الانتخابات.
9 - لم نسمع أن أعضاء الحزب الجمهوري الحاكم مروا على البيوت ليلة الاقتراع لتوزيع أكياس البر والسكر وعلب الزيت المنتهية، أو أنهم أخذوا الأيمان المغلظة على الناس لانتخاب الحاكم وحزبه.
10 - لم نسمع بأن الحزب الحاكم طلب من البرلمان تمرير اعتماد إضافي في الميزانية العامة للدولة بـ 660 مليار قبيل إجراء الانتخابات ببضعة أشهر، ثم لم يجد من يسأله أو يحاسبه.
- هل سمعتم أن الحزب الجمهوري(حزب الرئيس بوش) وجه بصرف إكرامية مالية لكل موظفي الدولة قبل الانتخابات ببضعة أيام؟
11 - لم يقل الرئيس بوش أو المرشح الجمهوري ماكين للناخبين الأمريكيين بأن الطرف الأخر استأجر مرشحاً لخوض الانتخابات، بالرغم من أن اوباما ذو أصول أفريقية! ولم يُحذر أياً من هما في خطاباته ومناظراته الشعب الأمريكي بأن الديمقراطيين يريدون السطو على البنك الفيدرالي ووزارات الكهرباء والطاقة النووية والنفط والاتصالات وغيرها.
12 - لم يتدخل الجيش في العملية الانتخابية لصالح أي طرف، ولم يكن بوسع الرئيس بوش أو غيرة تحويل الثكنات العسكرية إلى مراكز اقتراع، كما أن التزوير كلمة لا وجود لها في قاموسهم الانتخابي، إنها من الرذائل التي يتنزهون عنها كونها رجس من عمل العرب وفسق من عمل حكامهم.
وبعد فالقادم الجديد أمام اختبار لأربع سنوات لا غير، بعدها سيقرر الشعب مصيره فإما يبقيه وإما ينحيه، ومهما فعل هذا الحاكم الجديد، مهما حقق من انجازات ومكاسب ورفاهية للشعب الأمريكي فلن يكون ذلك مبرراً له ليبقى إلى الأبد فوق رؤوسهم، صمام الأمان للبلد ليس هو الحاكم، بل هو الشعب المتسلح بالوعي، هو حب الناس لبلدهم وعدم تفريطهم بها مقابل دراهم معدودة، صمام الأمان هو الجيش المحايد الذي لا يتدخل في العملية السياسية ويعلم أن مهمته الحقيقية حماية خيار الشعب لا حماية كرسي الحاكم.
أبو الهول لا وجود له إلاّ في بلداننا نحن، في كل بلد عربي نسخة أصلية منه، أما هؤلاء(النصارى الغربيين) فهم كما وصفهم الصحابي الجليل عمرو أبن العاص حين قال: إن فيهم لخصالاً أربعة(يعني حميدة) ؛ إنهم لأحلم الناس عند فتنه، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأشدهم كرة بعد فره، وأرحمهم بضعيف ويتيم ومسكين، ثم قال (عمرو) وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك. وهذا هو بيت القصيد فمتى نصل إليه؟ .

:شكر وتقدير:
شكرا اخي الكريم وسلامي اليك اخوك بشير الشراعي

اشكرك اخي بشير اكيد انا اعرفك اخ بشير

الطير المهاجر كتب:: :شكر وتقدير:
شكرا اخي الكريم وسلامي اليك اخوك بشير الشراعي

مشكووووووووووور
تسلم يداك

:شكرا:

» واشنطن تقر إعادة دبلوماسيي سفارتها في اليمن بعد نجاحات أمنية
» رئيس الجمهورية يهني "ولد عبدالعزيز" بفوزه في الانتخابات الرئاسية
» صنعاء تجدد رفضها تدخل واشنطن المباشر فى الحرب ضد تنظيم القاعدة على ترابها
» السلطة تخشى أزمة مع واشنطن
» حادث تصادم قطارين في واشنطن