اليمن: طفلات ينقلن ظاهرة الزواج المبكر إلى المحاكم ويفجّرن قضية طال السكوت
صنعاء ـ 'القدس العربي' من خالد الحمادي: فجرت ثلاث طفلات يمنيات قضية الزواج المبكر في وقت متقارب وفي أماكن مختلفة عبر نقلها إلى المحاكم والتمرد على أسرهن بالمطالبة بالطلاق عبر القضاء، إثر رفض أسرهن تطليقهن بعد إصرارهم على تزويجهن من رجال يكبرونهن بنحو عقدين من الزمن. ولعبت الطفلة نجود (8 سنوات) دور البطولة في تدشين حملة المطالبة بالطلاق عبر محكمة شمال غرب العاصمة صنعاء التي حصلت على الخلع بعد جلسة واحدة من محاكمة أبيها وزوجها الذي يبلغ من العمر 28 عاما، وبحضور إعلامي كثيف أحدث ضجة كبيرة في قاعة المحكمة وخلق نوعا من الضغط النفسي على الزوج الذي وافق على طلاق زوجته الطفلة نجود بشرط الحصول على تعويض مالي مقابل ذلك.
الطفلة أروى (9 سنوات) من مدينة جبله، بمحافظة إب (190 كيلومترا جنوب صنعاء) قامت بنفس الدور بعد نحو أسبوعين من حادثة نجود، والتي ليست بينهما أي علاقة أو معرفة مسبقة كما لم تسمع أروى بقضية نجود، لأنها لا زالت دون سن قراءة الصحف ولا تتابع وسائل الإعلام، والتي ذهبت للمحكمة عبر الاستعانة بجارة لها تكبرها سنا، وطلبت من القاضي تطليقها والذي حقق لها ما أرادت بعد قيامه بإجراءات المقاضاة لزوجها التي استمرت أكثر من شهر، حيث وافق زوجها الذي يبلغ نحو 30 عاما من العمر، على تطليق زوجته الطفلة.
الطفلة الثالثة ريم (12 سنة) من مدينة رداع ومقيمة في العاصمة صنعاء، وبعد نحو شهر من الحادثة الثانية طرقت أبواب محكمة شمال غرب العاصمة صنعاء وطالبت القاضي بتطليقها من زوجها الذي يكبرها بعقدين أيضا، غير أن إجراءات محاكمة زوجها وأبيها لا زالت في الطريق، في ظل تردد رئيس المحكمة القاضي محمد القاضي باتخاذ قرار التطليق أو الخلع للطفلة، لاعتقاده بوجود بعض الشبهات حول قضيتها، رغم أنه نفس القاضي الذي قرر خلع الطفلة الأولى نجود. هؤلاء الطفلات اللواتي أجبرن على الزواج في سن مبكرة قررن الاستعانة بالقضاء للمطالبة بالطلاق أو الخلع، لما واجهنه من وضع جائر من أسرهن ومن ممارسات غير إنسانية من أزواجهن الذين لم يرحموا حداثة أعمارهن ومارسوا انتهاكات ضد طفولتهن، بالقيام بمعاشرتهن معاشرة كاملة في حين لم تكن تعرف الواحدة منهن أي معنى للزواج، ولا لواجباته الأسرية، لدرجة أن إحداهن كانت ترفض بشدة خلع ثيابها في غرفة زوجها لاعتقادها بأن ذلك (عيب). تفاصيل ليلة الزفاف لكل منهن تختلف من واحدة إلى أخرى غير أن ليلة الدخلة تمثل القاسم المشترك في معاناتهن، التي لا زالت تعتبر في نظرهن جميعا (كابوسا) وفقا لما أوضحنه لـ'القدس العربي' بمرارة شديدة.
ومنذ أن رميت الطفلة نجود، بحجرة قوية قبل بضعة أشهر في اتجاه رفض الزواج المبكر، بدأت هذه القضية تحظ باهتمام الباحثين وناشطي حقوق الإنسان، حيث أسهمت نجود بتحريك المياه الراكدة في هذه القضية التي طال السكوت عنها، وكانت تعتبر من القضايا الاعتيادية في اليمن وربما في العديد من الدول العربية، غير أنها كانت في اليمن أكثر مأساوية بوصول هذه الحالات بقوة إلى قاعات المحاكم في حين أن الأرياف والمناطق النائية تحمل في طياتها الكثير من المآسي من هذا النوع.
الاختصاصية في مجال الزواج المبكر باليمن إيمان مشهور أوضحت لـ'القدس العربي' أنها خلال عملها الميداني زارت منطقة حيس في محافظة الحديدة الساحلية ولاحظت ان ظاهرة الزواج المبكر في أوساط الفتيات منتشرة بشكل واسع جدا هناك، 'حيث رأينا هناك طفلات صغيرات بين سن 13-14 سنة يحملن أطفالا من إنجابهن، ويتحملن أعباء تكوين أسر وهن لا زلن في سن مبكرة جدا، لم يكملن حياة الطفولة بعد ولم تكتمل قواهن الذهنية والعقلية، ورأينا مناظر مؤثرة ومؤسفة جدا في هذا الصدد'.وأرجعت أسباب انتشار ظاهرة الزواج المبكر في اليمن إلى الفقر الذي يلعب دورا كبيرا في انتشار هذه الظاهرة والذي يرجع إليه أغلب الآباء أسباب إقدامهم على تزويج بناتهم في سن مبكرة، هربا من الأعباء الأسرية التي تفوق قدرتهم المالية جراء كثرة الأطفال، حيث يعجزون عن توفير الطعام والشراب ونفقات التعليم لهم ما يضطرهم إلى اللجوء لتزويج بناتهم وهن لا زلن في سن الطفولة.
المحامية شذى محمد ناصر، التي ترافعت عن الطفلة نجود وتترافع حاليا عن الطفلة ريم، قالت لـ'القدس العربي' إن أسباب انتشار ظاهرة الزواج المبكر في اليمن ترجع إلى الثقافة التقليدية السائدة في المناطق القبلية في الشمال واتسعت دائرتها خلال السنوات الأخيرة بسبب اتساع رقعة الفقر والجهل والأمية والفهم الخاطئ لمقاصد الزواج، بالإضافة إلى أن التفكك الأسري وانفصال الأبوين عن بعضهما لعبا دورا في حدوث العديد من حالات الزواج المبكر في أوساط الفتيات، كما في حالة الطفلة ريم. واعتبرت الزواج المبكر خطأ كبيرا يرتكبه الآباء ضد أبنائهم وانتهاكا كبيرا ضد حقوق أطفالهم.
وأوضحت أن وصول عدد من حالات الزواج المبكر إلى المحاكم اليمنية يكشف حجم المعاناة التي تعرضت لها الطفلات اللواتي أجبرن على الزواج في سن مبكرة، ويؤكد كذلك ارتفاع مستوى الوعي لدى الفتيات بمخاطر الزواج المبكر، الذي أعطاهن دافعا قويا لأن يلجأن إلى المحاكم لرفض هذا النوع من الزواج، على الرغم من حالة الفقر التي تعاني منها أسرهن. وطالبت شذى ناصر البرلمانيين وعلماء الدين والنخب المجتمعية بأن ينظروا إلى قضية الزواج المبكر نظرة فاحصة وبمسؤولية، وأن يدرسوا مخاطرها الاجتماعية سواء على الطفلة التي تجبر على الزواج أو على المجتمع بشكل عام، وأن يتخذوا مواقف وقرارات جادة في هذا الصدد، وأن يدفعوا باتجاه إصدار قانون جديد لتحديد سن الزواج عند سن 16 سنة على الأقل، وأن يلزم الآباء والأزواج والقضاة بتطبيقه في كافة المناطق اليمنية سواء في الريف أو في الحضر عبر نصوص قانونية جزائية ضد المخالفين.
الإثنين مايو 15, 2023 7:04 am
موضوع: الفقر والجهل وغياب القانون أبرز عوامل انتشار الظاهرة 
الثلاثاء أغسطس 05, 2008 6:25 am
