حين يقع في يديك أكثر من 300 وثيقة تحكي قصة الطفلة نوران ابنة الأستاذ الأكاديمي الجامعي وهي حكاية مملوءة بالألم وتضبف ملفاً جديداً عن انتهاك حقوق الإنسان فإن الكتابة في هذا الموضوع لن تكون سوى ترحال بين غياب يسكن الدولة ويستعجل الفرج.
من خلال الندوة التي عقدت بقاعة اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين يوم 22 يوليو 2009م وقد أرفقتها ضمن هذه المادة فلربما احتاجت الصحيفة إليها لأهمية أوراقها التي تعذر على تناولها لأنها تناولت البعد القانوني من ناحية ومن ناحية ثانية كون الناس لا تعلم عن هذه القضية شيء وتتعاط معها على أنها قضية شخصية بينما هي لم تعد كذلك لان هنالك مهازل تقبع خلف الحكاية بتورط نافذين كبار كما جاء في الأوراق المقدمة بقاعة إتحاد الأدباء واليكم
الحكاية
في يناير 2000م ولدت نوران لأبوين محسوبين على النخبة أو الصفوة المتعلمة، فأبوها هو الأكاديمي الجامعي الأستاذ الدكتور عبد الله مقبل الحكيمي . وأمها أروى ذمران باحثة في مركز الدراسات والبحوث اليمني، في مجال علم النفس وحاصلة على شهادة ماجستير في تخصص ذي صلة كبيرة بـإشكالية الحرمان العاطفي من أحد الأبوين قد يكون سبباً رئيسا لجنوح الحدث ( أي لانحراف الطفل ) .
بينما كانت نوران تطفيء شمعتها الثالثة كانت الظروف قد فرضت عليها أن تعيش حياة غير متوحدة .. حياة غير هانئة بين أبويها إذ ذهب كل منهما حال سبيله لحياة اختاراها ورأياها المناسبة لنفسيهما .
ثمة اتفاق ودي في البداية توصل إليه الأستاذ الجامعي مع شقيق أم الطفلة بعد الانفصال تحاشيا لمشاكل مستقبلية هو أن تذهب الطفلة كل يوم خميس مع أبيها وتعود صباح الجمعة إلى أمها بالإضافة الى دفع ما يلزم الأب من نفقات ناحية ابنته، وسرى هذا الاتفاق قرابة خمسة أشهر ظلت الأمور أثناءها تسير على نحو طبيعي .
بعد هذه المدة يحدث الانقلاب .. الأم تمنع الأب أخذ الطفلة كالعادة... وجميع المحاولات التي بذلت لإثناء الأم عن مزاجها لم تجد نفعا.
قلت للأب: لماذا لم تتركها عند أمها وستأتيك لا محالة ذات يوم ؟
فأجابني : أنا أب لهذه الطفلة .. ولا أريد أن أحرمها من حقها في الحصول على عاطفتي.. ولا يملك في الكون أي أحد حقاً يحرمني منها كابنة أو يحرمها مني كأب ناهيك عن أن تعرف أن لها إخوة لا يعرفونها إلا من خلال الصورة.
وأضاف : إن ابتعادها عني سيولد لديها الإحساس بفقدان عاطفة الأبوة وهذا الفقدان سيكون له نتائجه السلبية على حياتها في المستقبل .
بل إن دراسة أمها وبحثها يؤكدان ذلك .
سألته : كيف ؟ فجاء رده بإيجاز: حرمان الطفل من أحد والديه سبب رئيس لجنوح الحدث, وانا لا أريد أن أكون هذا السبب. أريد أن لا تحس ابنتي أنها محرومة مني ومن حناني أريد رعايتها مثل أخويها.
وهذا المنطق لا ريب فيه صحيح.. فمن حق الأب أو الأم أن يتمتعا بحقيهما في رعاية الطفلة ... لكن ماالذي جرى بعد ذلك؟ وكيف سارت الأمور ؟
بإصرار الباحثة في علم النفس (أم الطفلة) عدم السماح للأب زيارة ابنته ، وأخذها معه كالسابق سارت دراما جديدة في مشوار رحلة طويلة خلاصتها متضمنة تفاصيلها في عشرات الوثائق المرفقة فيما بين الإدارات الأمنية والمحاكم القضائية .............. وعلى النحو أدناه .
وزير أكاديمي يعطل قوانين هو المعني باحترامها قبل غيره
في 2 أغسطس 2004أصدرت إدارة الجوازات جواز سفر للطفلة ببيانات كاذبة لأن الموقع على موافقة سفر الطفلة إلى خارج اليمن ليس ولي أمرها الحقيقي ( أي لا صفة له بالطفلة ).. هنا نضع الاستفهام الأول: كيف يصدر جواز من هذا القبيل ؟ الجواب : كما يقال : إذا عرف السبب بطل العجب .. أصدر الجواز بتوجيه من وزير الداخلية آنذاك الدكتور رشاد العليمي.
بعد أربعة أيام من نفس الشهر يصدر تعميم من مصلحة الجوازات بالمنع من السفر, وكذا أوامر تقضي بمنع سفر الطفلة نوران خارج اليمن كقرار نيابة الجوازات القاضي بمنع الطفلة من السفر وسحب الجواز منها في تاريخ 9أكتوبر2004م .
ومن الأوامر إلى القرارات حيث أصدرت نيابة الجوازات يوم 15/8/2004م قرار المنع من السفر وسحب الجواز , و دعم هذا القرار في اليوم التالي بقرار من رئيس المحكمة يمنع نوران من السفر ويتم تعميمه في ذات اليوم من قبل مصلحة الجوازات على جميع المنافذ المؤدية من وإلى خارج البلاد .. لكن الطفلة كانت قد غادرت يوم 11أغسطس 2004م مطار صنعاء الدولي دون علم أو إذن ولي أمرها ، وبجواز سفر بياناته كاذبة .
أخذت القضية منحىً جديداً حد أن الأم وأخويها رفضوا استلام مصاريف الطفلة بكل الأساليب التي اتبعها الأب في سبيل دفع المصروفات.. ولما يئس لم يجد غير أن يودع تلك المصاريف الشهرية لدى المحكمة على ضوء مذكرة رفعها عاقل حارة أقارب زوجته السابقة في 15فبراير 2005م وبالفعل أمر رئيس المحكمة بتوريد المصاريف الشهرية إلى خزينة المحكمة.
وكرة ثانية يصدر وزير الداخلية، الدكتور العليمي، الساعة الـ11ليلا توجيهات بالغا ء المنع من السفر ومخالفة قرار النيابة بتاريخ 14أغسطس 2005م وهنا يبرز استفهام ثان: لماذا يصر وزير داخلية بلد على ممارسة غير اختصاصاته و فيما يخالف القانون ؟ هل هي شفقة منه وموقف إنساني ؟ وهل وصلت الأمور في هذا البلد إلى الحد الذي انتهت منه وانتفت كل قضايا ومشاكل الأمن بحيث يتفرغ لمثل هكذا أمور ؟.
نلاحظ اهتمام الوزير بهذه المسألة وكأنها همه الأول من خلال توجيهه يوم 15أغسطس2005 م مذكرة إلى وكيل نيابة الجوازات تحت توقيع رئيس المصلحة بإلغاء قرار المنع الذي كانت قد أصدرته سابقا.
والغريب نكتشفه في اليوم التالي بالتناقض المضحك على الواقع (هناك من يصدر ويقرر وفي الجانب الأخر هناك من يلغي ) بينما كان الوزير يلغي قرارات النيابة كانت المحكمة تصدر يوم16/8/2005م قرار اً بمثابة حكم يمنع سفر الطفلة نوران ويعمم القرار، على كافة المنافذ في الجمهورية ..والنتيجة أن الطفلة بعد التعميم تغادر المطار بتوجيه ورعاية شخصية من قبل الدكتور رشاد العليمي وبصورة مخالفة لحكم المحكمة وقرار نيابة الجوازات وبنفس الجواز المطلوب سحبه.
أسرع حكم
تقدم الأب بعريضة لمحكمة جنوب شرق الأمانة يطالب بحقه في رؤية أبنته كأب ولم ينتظر الحكيمي كثيراً صدور الحكم القضائي .. صدر حكماً في ذات اليوم 12/12/2005م الذي تقدم فيه بطلب الرؤية ( على حد قوله : من أسرع الأحكام التي صدرت في المحاكم اليمنية ؟؟؟؟ ) إذ قضى الحكم بالرؤية لمدة يوم واحد من صباح الخميس الى صباح الجمعة.( مرفق الحكم ).
لم يكن يدرك الأب أن هذا الحكم مقدمة لرحلة طويلة في المحاكم اليمنية .. ربما ظن أنه سيرى نوران فور صدور الحكم .. وأن أمها إمراة متعلمة ومثقفة بل أن مجال تخصصها يفرض عليها أن لا تحرم الاثنين ( الطفلة / الأب ) من بعضهما .. فالحق أحق أن يتبع .. وكل هذه الصفات لا ريب جديرة لأن تجعلها تحترم حكم القضاء .. وتنفذه.
بيد أن شيئا من هذا القبيل لم يكن موجود البته في وعي الأم .
كان لديها رغبة جامحة في رفض تنفيذ الحكم .. لذلك تقدمت بتظلم الى المحكمة فجاء تأكيد المحكمة يوم30/1/2006م بتأييد الحكم وشطب التظلم . (مرفق التظلم )
فهل رأى الحكيمي نوران بعد هذا التأييد الذي يضاف إلى الحكم الأول ؟
استمرت الأم بالتهرب من تنفيذ الحكم .. بل قدمت التماس لإلغاء الحكم فجاء الرد بتاريخ 21 مارس2006م برفض الالتماس بخصوص رؤية الطفلة، وتأييد حكم الرؤية للمرة الثالثة.وهكذا تتالت الأوامر والتأييد ففي 8 مايو 2007 م يصدر قرار قاضي التنفيذ برفض استشكال التنفيذ والسير في إجراءات التنفيذ (مرفق).. علماً أن الاستشكال يخالف القانون رقم (40)لسنة 2002م المادة (335)مرافعات والخاصة بالتنفيذ المعجل .. حيث لم ينفذ الحكم منذ ما يقارب السنة والنصف.
ولم يجد الأستاذ الجامعي مناصاً غير مواصلة طرق أبواب الجهات العليا .. من يدري فلربما وجد عندها من يحترم القانون والأحكام .. كما يحترمها هو بحكم تنشئته وتتلمذه على احترامها وبحكم انه يتلمذ طلبته على ضرورة أن يحترموها .
اعتبارات كثيرة حملها على كاهله وهو يتقدم بشكوى لوزير العدل والتفتيش القضائي من تصرفات رئيس المحكمة يوم 9يوليو 2007م.وبعد بضعة أيام جاء الرد كما توقع 18يوليو2007م يصدر قرار التفتيش القضائي بإدانة واضحة لرئيس المحكمة وتصرفاته الخاطئة. التي وقفت ضد تنفيذ كل الأحكام التي ذكرت في السطور السابقة .
هنا نضع أكثر من علامة تعجب واستفهام
لماذا لم ينفذ القاضي أحكاماً صدرت من محكمة يرأسها ؟ أو كيف تصدر أحكام وتؤيد منه أو من القاضي الذي أصدرها في محكمة يرأسها .. ثم لا تنفذ ؟ ما قيمة الأحكام هذه إذاً ؟ أليس روح الأحكام تنفيذها ؟ أم أن لهذه الأحكام أوجهها المختلفة الأخرى ؟ أسئلة كثيرة.
بل الأغرب أنه حينما شرع بتنفيذ الحكم القاضي (ساري العجيل) كونه قاضي التنفيذ يبعد بصورة مريبة الى محكمة وصاب عقاباً له على السير في إجراءات التنفيذ.
ودارت الأيام وتتالت الأحداث والدكتور مازال يؤمن أن هناك قانونا وعدلا .. حيث حصل على حكم بتاريخ 2/6/2008م من محكمة الاستئناف بأمانة العاصمة أيد الحكم الصادر في 12 ديسمبر 2005م من محكمة جنوب شرق العاصمة.
عندما يعطل وزير العدل أحكاماً قضائية ؟
في 8 سبتمبر 2008 م شرعت المحكمة في إجراءات تنفيذ الأحكام السابقة بواسطة قاضي التنفيذ هاشم الهادي.بيد انه لم تكد تنقضي بضعة أيام وتحديداً في 13سبتمبر 2008م يصل وزير العدل الى ساحة المحكمة الموقرة وفوراً ليحيل قاضي التنفيذ الى المساءلة، فيجد الأخير نفسه ممنوعاً من الاستمرار ونظر إجراءات تنفيذ حكم أصدره باتا .. والأغرب انه ينقل إلى محافظة عمران ويبعد كسلفه القاضي السابق ( العجيل ) الذي ابعد إلى وصاب .كعقاب لهما جراء ما اقترفاه من ذنب احترام القانون .
وفجأة يتحول الملف إلى القاضي رئيس المحكمة للنظر في تنفيذ القضية ، وهنا حدث ما لم يكن في الحسبان ، إذ بدأت إجراءات التنفيذ بعد كل تلك الأحكام تأخذ مجرى غير طبيعي ، بهدف إلغائها ( أي الأحكام) والعودة الى بداية القضية بصورة غير مسبوقة في مثل هكذا قضية ( وكأنك يا أبو زيد ما غزيت) أو كأن كل تلك الأحكام كانت غير صحيحة. بدليل مسودة قرار (مرفق) حصل عليها الأب بطريقته الخاصة في 22 نوفمبر2008 كان رئيس المحكمة ينوي النطق بها في جلسة يوم 26 نوفمبر 2008م، وكانت النية مبيتة بكل وضوح لإلغاء جميع الأحكام السابقة نزولا عند رغبة الطرف الأخر (الأم).
الأمر الذي حدا بالأب الى تقديم مذكرة يوم 23 نوفمبر2008م طالب فيها وقف السير في إجراءات التنفيذ، كيما يقطع الطريق على رئيس المحكمة وهذا التصرف الغير قانوني، وتحاشيا لما ستترتب على ذلك من تبعات.
مرت ما يقارب الأربع سنوات، وكأن شيئا لم يكن : فأي طريق يسلكه الأب ليستطيع رؤية ابنته؟: إذا كان احترامه وامتثاله للقوانين والأحكام التي في جعبته لم تشفع لطفلة أن ترى أباها .. وأخويها .. فما هو يا ترى السبيل الباقي لرد اعتبار تلك الأحكام القضائية وملحقاتها؟ وتحقيق ما ظل يجري بعده كل هذه السنوات .. الحقيقة أن الأب لم ييئس أو يرضخ فهو على يقين أن ما يطالب به ليس خطأ بل هو صوابا وحقا أوضح من قرص الشمس ، ولا تستطيع أي قوة في الكون ان تقف في وجهه كما لا توجد أي قوانين طبيعية أو بشرية تجرؤ أن تحرم نوران من حنانه، وأبوته، وكل ما يترتب لها من حقوق الأبوة؟. لهذا بحث عن تلك السبل الجديرة ربما أكثر من القوانين في منح كل من الأب و أبنته حقيهما من بعضهما، وأول هذه السبل .
التوجه إلى الرأي العام
بهدف تدويل قضيته عبر وسائل الإعلام المختلفة والتوجه نحو المنظمات الحقوقية العاملة في اليمن لتحميلها مسؤولية :
1-حرمان طفلة من حقها في الحياة و أن يكون لها أب وأخوة وأسرة كبيرة . بصرف النظر عن كونها ابنته.
2- إن لجوءه إلى مثل هذه الطرق ليس لمجرد أنه محروم من ابنته أو العكس، وإنما احترام للأحكام القضائية التي صدرت ولم تحترمها الجهات المعنية بها سواء كانت من السلطة القضائية أم من السلطة التنفيذية.
3-أن جهاز القضاء إذا كان قد تواطأ بشأن قضية طفلة وأحرمها من حق إنساني مكفول بكل القوانين والأعراف والقيم والمواثيق الإنسانية والدولية والأخلاقية .. فكيف سيكون عليه في قضايا كبرى.
إن انتزاع حق نوران المنتهك من قبل قضاة ومتنفذين في سلطات الدولة، إنما هو انتزاع لحق كل طفل وطفلة لا أكثر.
الإثنين مايو 15, 2023 7:04 am
موضوع: حكاية قاسية عن نوران الطفلة 
الجمعة مارس 05, 2010 4:28 am
