عناوين على رفاة صلاح الدين

عناوين على رفاة صلاح الدين
الطاهر العبيدي
صحفي تونسي مقيم بالمهجر / عضو بالمجلس الوطني للحريات بتونس



يا سيدي فلأعترف أن الجواد الجامح المجنون
قد خسر الرهان
وبأن أوحال الزمن الوغد فوق رؤوسنا
صارت ثياب الملك والتيجان
وبأنّ أشباه الرجال تحكّموا
وبأن هذا العصر للغلمان
ولاعترف يا سيدي
أني وفيت وأن غيري خان
وأني نزفت رحيق العمر كي يطلّ الصبح
لكن خانني الزمن الجبان
وبأنني قدّمت فجر العمر قربانا
وبأني بعت الشباب وفرحة الأيام
في زمن النخاسة والهوان
ولأعترف يا سيدي
أني خسرت العمر في هذا الرهان
وغدوت أحمل وجه إنسان بلا إنسان

القدس تبدو في ثياب الحزن قنديلا
بلا ضوء بلا نبض بلا ألوان
تبكي كثيرا كلما حانت صلاة الفجر
وانطفأت عيون الصبح
وانطلق المؤذن بالآذان

القدس تسأل
كيف صار الابن سمسارا وباع الأم
في سوق الهوان بأرخص الأثمان
صوت المآذن والكنائس لم يزل
في القدس يرفع راية العصيان
الله أكبر منك يا زمن الهوان
الله أكبر منك يا زمن الهوان
الله أكبر منك يا زمن الهوان

كانت لنا يوما هنا أوطان
وطن بلون الصبح كان
وطن بلون الفرح
حين يجيء منتصرا على الأحزان
وطن أضاء الكون عمرا
بالسماحة والهداية والأمان
وطن على أرجائه الخضراء هلّ الوحي
من التوراة والإنجيل والقرآن
وطن عنيد أيقظ الدنيا
علمها طريق المجد
علمها فنون الحرب
علمها البيان
وطن جميل كان كعبة الأوطان
ماذا تبقّى منه
الآن ترحل عنه أفواج الحمام
وتنعق الغربان
الآن ترتع فيه أسراب الجراد وتعبث الفئران
الآن يأتي الماء مسموما
ويأتي الخبز مسموما
ويأتي الحلم مسموما
ويأتي الفجر مصلوبا على الجدران
وطن بلون الفرح يبدو الآن محمولا
على نعش من الأحزان
جسد هزيل في صقيع الموت
مصلوب بلا أكفان
وطن جميل كان يوما كعبة الأوطان
الآن ترحل الرجولة عن ثراه
ويسقط الفرسان
يغيب وجه الحق
تسقط أمنيات العمر
يزحف موكب الطغيان

في ساحة القهر الطويل
يضيع صوت العدل
تخبو نسائم الفجر
تعلو صيحة البهتان
وطن بلون الصبح كان
وطن كبير أنت في عيني
هزيل في ظلام السجن والسجّان
وطن جسور أنت في عيني ذليل
في ثياب العجز والنسيان
وطن عريق أنت في عيني
أراك الآن أطلالا
بلا اسم بلا رسم بلا عنوان
وطن بلون الصبح كان
في أيّ عين سأدفن وجه ابني
بعدما صلبوا صلاح الدين
يا وطني على الجدران

في كل شيء يا وطني أنت مهان
من علم الأسد الأبيّ
بأنّ ينكّس رأسه ويهادن الجرذان
من علم الفرس المكابر
أن يهرول ساجدا في موكب الحملان
من علم القلب التقي
أن يبيع صلاته ويعود للأوثان
من علم الوطن العريق
بأن يبيع جنوده ويقايض بالغلمان
من علم الوطن الغيور بأن يبيع ترابه
للراغبين بأبخس الأثمان
من علم السيف الجسور
بأن يعانق خصمه
ويعلق الشهداء في الميدان

يا أيها الوطن المهان إني بريء منك
يا أيها الزمن الجبان إني بريء منك
إني بريء منك...بريء منك
إلى أن أوضع في الأكفان