منتديات الصقراليماني


 
الرئيسيةقناة الصقر اليمالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول


آخر المواضيع
الموضوع
تاريخ ارسال المشاركة
بواسطة
اضحك لوما تقول بـــس مـــع بركتنـــا {محمد المطري}
برنامج قارئ اليمن - جميع الحلقات... 1 - 30 والاخيرة
البوم يانصيبي لمجموعة من المنشدين اليمنيين كاملا
الحرب السادسة على الحوثيين في صعدة برنامج ظلال ساخنة
كتاب لا تحزن pdf من الشيخ عائض القرني كامل
رحلة الى كيرلا بالتفصيل
المسلسل اليمني (( الثـــأر )) حلقات كامله
الكوميديا الساخره (( خلطة مافيهاش غلطة )) الجزء الثالث
مسلسل كشكوش _ الحلقة الاولى
الإثنين مايو 15, 2023 7:04 am
السبت أبريل 15, 2023 10:00 am
الجمعة أبريل 07, 2023 6:02 am
الأحد مارس 19, 2023 6:35 am
الثلاثاء يوليو 06, 2021 7:54 am
الجمعة نوفمبر 29, 2019 9:53 pm
السبت ديسمبر 29, 2018 10:17 pm
السبت أبريل 07, 2018 12:20 am
السبت أبريل 07, 2018 12:14 am









بث مباشر

 

 وحدة الصف لا وحدة الرأي

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
زائر
ضيف
avatar


الـجــــــنــــس : انثى
عدد المشاركـات : 9672
الدولة : وحدة الصف لا وحدة الرأي Ymany10
المزاج : وحدة الصف لا وحدة الرأي 510

وحدة الصف لا وحدة الرأي Empty
مُساهمةموضوع: وحدة الصف لا وحدة الرأي   وحدة الصف لا وحدة الرأي I_icon_minitimeالخميس مايو 07, 2009 11:15 am

سلمان بن فهد العودة

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً .



في محكمات الكتاب الكريم ، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم الآيات الكثيرة والأحاديث الصحيحة البليغة الآمرة بالاجتماع ، والناهية عن التفرق ، حتى أصبح هذا الأمر من البدهيات المستقرة عند كل مسلم ، يقول الله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ، وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ، وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)[آل عمران: 103 ـ 105] .



ويقول الله تعالى: (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[الأنفال: من الآية46] ، ويقول الله تعالى : (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ )[العصر: 1ـ3] إلى غير ذلك من النصوص ؛ ولهذا أصبحت الجماعة والاجتماع على الخير والطاعة من ضروريات الدين ومحكماته ، والعبادات العامة كالصلاة ، والصوم والحج ، والأعياد وغيرها دليل عملي على ذلك .



ووصايا النبي صلى الله عليه وسلم والأحاديث في هذا كثيرة جداً ، لعل من أشهرها حديث مسلم (1715) ( إن الله يرضى لكم ثلاثاً (وذكر منها) أن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ) فهذه الحقيقة واضحة وبدهية ومستقرة في حس كل مسلم ، لكن الشأن في تفعيلها ؛ لأن كثيراً من الإخوة يكون عندهم غيرة شديدة جداً على الدين ، وحرص عظيم على الوحدة ، لكن يفتقدون آلية تطبيق هذه الوحدة ، وبذلك يصبح الإنسان ـ وهو يتباكى على وحدة المسلمين ، وعلى اجتماع كلمتهم ، واجتماع صفهم ـ كأنه يريد من الناس أن يجتمعوا على قناعاته ، وآرائه ، واختياراته ، واجتهاداته ، وهذا أمر متعذر ؛ لأن الناس لم يجتمعوا على من هو خير منه ؛ فأولى أن لا يجتمعوا عليه .



إنما الشأن في القدرة على وجود منهجية نتقبل فيها الخلاف ، بحيث تكون فيها الوحدة على أصول شرعية صحيحة ، وليست على آراء أو اجتهادات خاصة لفرد أو فئة أو طائفة من الناس .



أما وحدة الصف فتعني في الأصل أمة واحدة تحت سلطان واحد يحكمها بشريعة الله سبحانه وتعالى ، وهذا كان منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم عهود الخلفاء الراشدين ، ثم عهود الأمم والدول الإسلامية المستقرة التي كانت تحكم المسلمين في مشرق الأرض وفي مغربها ، ويدين لها بالطاعة أهل الإسلام كافة .



ولهذا جاء في السنة النبوية من الأحاديث ، والأحكام الصارمة في هذا ما يتعجب منه الإنسان ، منها على سبيل المثال قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من فارق الجماعة شبراً فمات فَمِيتَةٌ جاهلية ) والحديث متفق عليه عند البخاري (7054) ومسلم (1849) من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ) و المعنى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بالغ في التحذير من الخلاف والفرقة ، والحث على الاجتماع والوحدة بحيث إن من خالف ذلك لقي الله ـ تعالى ـ يوم القيامة وليس لـه حجة ، ( ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) رواه مسلم (1850) عن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ وكذلك الحديث الثالث ( إنه ستكون هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ ـ أي: أحوال وفتن ـ فمن أراد أن يُفَرِّق أمر هذه الأمة , وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان ) رواه مسلم (1852) عن عرفجة ـ رضي الله عنه ـ ، وإذا كان هذا أمراً مضى ، وعقد المسلمين قد انفرط منذ فترة طويلة ، وتحولت الدولة الإسلامية الكبيرة إلى دول كثيرة تحكم بأجزاء من الشريعة ، ولا تحكم بأجزاء أخرى , ويكون بينها من الاتفاق ومن الاختلاف ما هو معروف مشهور ، فلا شك أن ذلك الواجب المطلوب من المسلمين في الأصل ، ينتقل إلى المحافظة على المعنى الذي ترمي إليه الشريعة ، وهو صلاح دين المسلمين وصلاح دنياهم ؛ لأن أصل نظام الخلافة ، ونظام الحكم في الإسلام إنما شرع من أجل حفظ الدين وحفظ الدنيا ، كما قال ابن تيمية في السياسة الشرعية : إن المقصود هو حفظ الدين وسياسة الدنيا به .



فينتقل الواجب إلى المحافظة على المعنى ، وهو صلاح دين المسلمين وصلاح دنياهم ، فمما يدخل في هذا ويجب على المسلمين السعي في تحصيله :



أولاً : سلامة الصدور والنفوس من الأغلال ، والأحقاد ، والكراهية ، والضغائن ، والبغضاء وأن يحل محلها التسامح والتغافر والتعاذر والرحمة والشفقة (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بينهم) [الفتح: من الآية29] ، والآيات في هذا المعنى كثيرة .



ثانياً : التعاون على البر والتقوى , وترك التعاون على الإثم والعدوان ، كما أمر الله ، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر .



ثالثاً : العمل ما أمكن في خطوط متوازية ومتعاضدة غير متقاطعة ولا متعاندة ؛ لأن في الناس من لديه همة لإحياء شعيرة من شعائر الدين ، وفيهم من لديه همة لإحياء شعيرة أخرى ، وفي كل خير ، وافتعال الخصومة أو التعاند بين هذه الأعمال الإسلامية المختلفة قد يضيع كثيراً من الجهود ، ويهدر كثيراً من الطاقات ، ويُقعِد الناس عن العمل ، ويحدث عند كثير من العوام ـ بل عند بعض المبتدئين من طلبة العلم ـ نوعاً من البلبلة ، والاختلاط ، والتردد ، والضعف ، وقد يؤثر كثيرٌ منهم أن يبتعد عن المجالات الإسلامية ، والعمل الإسلامي ، والخير والدعوة ، والعلم لما يرى من العداوات ، والبغضاء والتناحر ، ويطلب السلامة لقلبه والسلامة لنفسه في أجواء آمنة هادئة مستقرة ، حتى ولو لم يكن فيها عمل ولا خير ، ولكنها أجواء طبعية بعيدة عن مثل هذا التوتر .



رابعاً : إحياء مبدأ النصيحة ، ومبدأ النصرة كما في الحديث الذي رواه البخاري (6952) عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) فقال رجل : يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً ؛ أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره ؟ قال: ( تحجزه أو تمنعه من الظلم ؛ فإن ذلك نصره ) ، وفي لفظ ( تأخذ فوق يديه ) عند البخاري (2444) من حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ ، وفي لفظ ( تأخذ من نفسه لنفسه ) أي : تأخذ منه ولا تنصره على الباطل ، ولا تواليه ولاءً مطلقاً عاماً في الخير والشر ، وفي الحق والباطل ، وإنما تكون معه على الخير ، وتكون ضده على الخطأ ؛ فلا عصبية لشيخ ولا لمتبوع ، ولا لإمام ، ولا لشخص ، ولا لداعية ، ولا لجماعة ، ولا لطائفة ، ولا لمذهب ؛ وإنما الولاء للحق ، والحق يكون تارة مع هذا وتارة مع هذا ، وأحياناً يكون في الموقف الواحد جزء من الحق مع هذا ، وجزء من الحق مع ذاك ، ويمكن للإنسان مع التدرب أن يتعود كيف يستطيع أن يبحث عن الحق ، لا يلزم أن يصيبه دائماً , لكن أن يبحث عنه هنا وهناك ، حتى لو كان في مقتبل تكوينه ودراسته .



خامساً: ومما يدخل في ذلك الاجتماع على محكمات الشريعة كما يسميها العلماء ، التي أجمع عليها السلف الصالح ، وقبول الخلاف فيما اختلفوا فيه .



فنتفق ونُجمع على ما اجمعوا عليه من محكمات الشريعة ، ونقبل الاختلاف فيما اختلف السلف الصالح فيه ؛ فإذا ثبت أن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفوا ، أو الأئمة من السلف الصالح فلا تثريب ولا غرابة أن يقع هذا الاختلاف فيمن كان بعدهم .



وهناك أشياء تناقض هذا المعنى ، وهي كثيرة منها:



أولاً : تنزيل النصوص على غير وجهها واعتبار أن الأحاديث الواردة بلزوم الجماعة تنطبق على جماعة خاصة ، أو تنظيم معين ، أو حزب ، أو طائفة ؛ فهذا لا شك أنه قلب للحديث النبوي من كونه دعوة للمسلمين للاجتماع على هذه السلطة العامة المتفق عليها إلى أن يكون اختلافاً ؛ فكل طائفة أو جماعة أو حزب يعتبر هذه الأحاديث خاصة به ، ويلزم الناس بالاتفاق عليه وبيعته وطاعته واتباعه ، ويعتبر من ليس كذلك ؛ أنه قد نزع يداً من طاعة ، وخلع ربقة الإسلام من عنقه ، وإن مات على ذلك فميتته جاهلية ، ويلقى الله يوم القيامة ولا حجة له إلى غير ذلك مما يقع للناس كثيراً ، وهذا مصداق ما أخبر الله ـ تعالى ـ به (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)(المؤمنون:53) ؛ فكل طائفة أو جماعة ترى نفسها واجبة اللزوم واجبة الاتباع ، ولا ترى هذا الحق لغيرها .



ثانياً: أن يقوم وجود المرء على أساس تقويض جهود إسلامية أخرى صحيحة ، ليست جهوداً ضالة ، ولا مبتدعة ، ولا محاربة للإسلام ؛ وإنما جهود صحيحة ، وعلى منهج ـ في الجملة ـ سليم ، لكنه يختلف معها في مسائل وجزئيات واجتهادات في تنزيل بعض النصوص على بعض الأحوال ، وهذا مما لا سبيل إلى الفرار منه ؛ فمن الخطأ أن يكون الجهد في ما يكتب ، وما يقال يصب في محاولة مصادرة الآخرين ، أو القضاء عليهم ، أو التحذير منهم أو ما أشبه ذلك من المعاني ، حتى لو افترض أن عندهم شيئاً من التقصير ؛ فهناك من هو أشد تقصيراً منهم ، هناك الكفار الأصليون الظاهرون وجوداً ، والظاهرون قوة وتمكيناً ، وهناك أهل البدعة الظاهرة المتحزبون على بدعهم ، فالاختلاف والتناحر داخل الإطار العام ، الذي أجمع عليه السلف الصالحون ، ليس من المصلحة في شيء . ثالثاً : الاجتماع على معان خاصة ، أو فروع اجتهادية محتملة ، قد تفصلنا عن الآخرين ، وتجعلنا عرضة للانشقاق ولو بعد حين ؛ لأنها بطبيعتها ليست ثابتة ، بل متغيرة ، و ليست أصولاً بل فروع حولناها إلى أصول بالإلحاح عليها ، وتكبيرها ، وإلا فهي في ابتداءها قد تكون فروعاً اجتهادية ، أو محاولات دعوية لها جوانب خير ، لكن لا يصح أن تتحول إلى أصول .



محكمات الشريعة



المحكم في المعنى اللغوي يشمل ثلاثة معانٍ :
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
ضيف
avatar


الـجــــــنــــس : انثى
عدد المشاركـات : 9672
الدولة : وحدة الصف لا وحدة الرأي Ymany10
المزاج : وحدة الصف لا وحدة الرأي 510

وحدة الصف لا وحدة الرأي Empty
مُساهمةموضوع: رد: وحدة الصف لا وحدة الرأي   وحدة الصف لا وحدة الرأي I_icon_minitimeالخميس مايو 07, 2009 11:16 am

المحكم في المعنى اللغوي يشمل ثلاثة معانٍ :



أولاً: أن هذا المحكم محفوظ لا يمكن تغييره ولا تبديله فتقول: هذا شيء محكم أي : ليس بمنسوخ فهو ثابت لا يمكن تغييره ولا استبداله.



ثانياً: الواضح البين المفسَّر الذي ليس فيه غموض ولا خفاء.



فهذه المحكمات مع كونها ثابتة مستمرة؛ فإنها واضحة ظاهرة سهلة الفهم، سهلة القبول، سهلة التلقين لعامة الناس .



ثالثاً :كون هذه المحكمات أصولاً ثابتة، ومراجع ترجع إليها الفروع، ويعاد إليها ما خرج منها ؛ فهي أصول ثابتة يتفرع عنها أشياء أخرى .



فهذه المحكمات التي نطلب أن يكون الاتفاق عليها وليس على غيرها هي المسائل الواضحة البينة الأصلية التي جاءت بها الشريعة الربانية، وأجمع عليها الصحابة – رضي الله عنهم - والسلف الصالحون من وجوب عبادة الله – عز وجل - وتحريم الكفر والشرك والنفاق، وتحريم الظلم والربا والفواحش، ومن أركان الإسلام الخمسة المعروفة، وأصول الإيمان الستة المعروفة، وقواعد الأخلاق التي جاء بها النبي - صلى الله عليه وسلم - بل جاء بها الأنبياء كلهم كوجوب الصدق، وتحريم الكذب ووجوب العدل وتحريم الظلم، ووجوب البر وتحريم العقوق، وما أشبه ذلك.



ومن ذلك جوامع المنهيات الثابتة في القرآن والسنة كما في حديث السبع الموبقات وغيرها.



ويتحقق من خلال هذه المحكمات أمران عظيمان :



الأول: المحافظة على الدين، على الإيمان بالله ـ تعالى ـ والملائكة، والكتب، والرسل، والنبيين، والإيمان بالقدر، والإيمان بالجنة والنار وما يتعلق بذلك كله، والمحافظة على طاعة الله – عز وجل -، بتطلب رضى الله - تعالى - عن المسلم في الدنيا، وتحقيق النجاة في الدار الآخرة من النار ودخول الجنة .



وهذا يتحقق للمؤمنين المسلمين الذين آمنوا بالله ورسوله واتبعوا النور الذي أنـزل معه أولئك هم المفلحون، وهم الذين يتحقق لهم هذا الأمر على سبيل التحقيق، ولا يتحقق لغيرهم.



الثاني: المحافظة على الدنيا، وهذا ما يعبر عنه العلماء والأصوليون بحفظ الضروريات الخمس التي لابد من حفظها وهي : حفظ الدين، وحفظ العرض، وحفظ المال، وحفظ النفس، وحفظ العقل.



وكل الأوامر الشرعية والنواهي ؛ فهي تدور حول تحقيق هذه الأشياء الخمسة. وهذه الأشياء تتحقق للمؤمنين ولطوائف من غير المؤمنين ممن عمتهم رحمة الإسلام كالذين يقعون تحت سلطة الإسلام أو يدفع الله - تعالى - عنهم بالإسلام بعض الضرر، والتاريخ زاخر بالأخبار كما قال سعد بن محمد بن الصيفي المعروف بحيص بيص :



ملكْنا فكـــــان العفو منّا ســـجيةً

فلمـــــــــا ملكتم سال بالدم أبطحُ

وحلَّلـتم قتل الأســــــارى وطالما

غدونا على الأسرى نعف ونصفح

فحســــــبكمُ هذا التفاوتُ بيننـــا

وكلُّ إناءٍ بالـــــــذي فيه ينضـحُ



ومن أمثلة المحكمات ما رواه الترمذي (3070) وحسنه والبيهقي في شعب الإيمان (7539) عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال : من سره أن ينظر إلى وصية محمد – صلى الله عليه وسلم - التي عليها خاتمه ؛ فليقرأ هؤلاء الآيات (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [ الأنعام:151-153].



ولذلك أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (35844) عن كعب الأحبار أنه قال : كان أول ما نـزل من التوراة عشر آيات، وهي العشر التي أنـزلت في آخر سورة الأنعام، وهي ما يسمونها بـ " الوصايا العشر " وعليها مدار الرسالات السماوية، والرسل ـ صلى الله عليهم وسلم جميعاً ـ اتفقوا في أشياء واختلفوا في أشياء، ومما اتفقوا عليه هذه الوصايا العشر التي عليها مدار صلاح الدين والدنيا، وأما ما اختلفوا فيه، فمن الفروع، في الأحكام، والحلال والحرام وغير ذلك من المسائل المؤقتة القابلة للتغيير والتبديل والنسخ، ولهذا قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : " إن في الأنعام آيات محكمات هن أم الكتاب" ثم قرأ: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ)[الأنعام: 151] " رواه الحاكم(3291) وابن أبي حاتم في التفسير، فكأنه سئل عن قول الله – عز وجل - : (مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ) فأجاب بذلك، [آل عمران: من الآية7] ؛ ومثل ذلك ما رواه الطبري في تفسيره أنه قال ـ يعني ابن عباس ـ : المحكمات هي الآيات الثلاث من سورة الأنعام، وكذلك من سورة الإسراء (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) إلى قوله تعالى Sadذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً) [الإسراء:39] فهذه الآيات فيها تحديد للمحكمات والقطعيات والضروريات، التي عليها مدار الاجتماع، ومدار وحدة الكلمة .



والمحكمات الواردة في هذين الموضعين من القرآن الكريم عشرة :



أولاً: وجوب عبادة الله وتحريم الشرك به .



ثانياً : وجوب بر الوالدين والإحسان إليهما .



ثالثاً : وجوب حفظ النفس، وتحريم القتل بغير حق سواء كان قتلاً للقريب كالأولاد، أو للبعيد.



رابعاً : تحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن.



الفواحش الظاهرة كالزنا، وشرب الخمر، والربا وغيرها.



والفواحش الباطنة كالفواحش القلبية مثل: الغل، والحقد، والحسد، والنفاق، وغيرها من المعاني الباطنة، ومثله ما يقع في الخفاء من الفواحش .



خامساً : حفظ المال وأداء الحقوق فيه للمحتاجين، ومن ذلك عدم العدوان على أموال اليتامى وغيرهم.



سادساً : وجوب الوفاء بالعهد والميثاق سواء كان عهداً مع الله - تعالى - أو عهداً مع خلقه، وكلما كان هذا العهد أوثق كان الوفاء به أعظم .



سابعاً : وجوب العدل - وهذا من أعظم الأصول - في الأقوال والأعمال، ووجوب الوزن بالقسط (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) [الرحمن:9].



ثامناً : تحريم الكبر، وتحريم الأخلاق المذمومة كلها بعامة، والأخلاق المذمومة تعرف بالشريعة، وتعرف بالعقل، وتعرف بالفطرة.



تاسعاً : وجوب اتباع صراط الله المستقيم وتجنب السبل المضلة (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام: 153]



عاشراً : ترك قفو الإنسان ما ليس له به علم، واستشعار الإنسان المسؤولية عن السمع والبصر والفؤاد واللسان (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) [الإسراء: 36].



ومما يدخل في هذا أن كثيراً من الناس ينهمكون في ضرورة تكوين رأي عن كل قضية، وقد لا يكونون متأهلين لذلك، إما بحكم حداثة السن، أو قلة الفقه في المسألة، أو قلة الاطلاع على تفاصيلها، أو للانشغال بما هو أولى وأهم منها، ومع ذلك قد يصر على أن يكون له رأيٌ في كل مسألة يرى الناس يصطرعون حولها أو يختلفون فيها، وكان الأولى به أن يتجاوز هذه النقطة ويتركها إلى ما هو أولى وأهم منها.



يقول ابن تيمية : إن الرسل كلهم - عليهم الصلاة والسلام - متفقون في الدين الجامع في الأمور الاعتقادية والأمور العلمية كالإيمان بالله تعالى والملائكة والكتاب والنبيين ... إلى غير ذلك وكذلك الأصول العملية كالأعمال المذكورة في سورة الأنعام ؛ فهذا من الدين الجامع الذي اتفق عليه الرسل جميعاً عليهم الصلاة والسلام.



التأسيس لوحدة الصف



إن بناءَ الوحدة الأُخَويَّة الإيمانية بين المسلمين بعامة، والدعاة وطلبة العلم بخاصة على هذه العِصَم الكبار من أصول الشريعة، ومحكمات الدين ضمانٌ لديمومتها واستمرارها وحماية لها من التصدع والانشقاق والانهيار؛ لأن هذه المسائل واضحة لا لَبْس فيها، وهي أصول وقواعد يرد إليها غيرها، وهي –أيضاً- ثابتة مستقرة لا مجال للخلاف، أو التردد، أو الشك، أو الطعن فيها، فلا يمكن -بعد أن تمضي علينا سنوات ونقطع جزءاً من الطريق- أن نعود أدراجنا لنجادل في هذه المحكمات –مثلاً- أو في هذه الثوابت، أو في هذه القواعد المستقرة؛ فينشق منها مجموعة تخالف في أصل أو ثابت، فهذا يعدُّ نوعاً من الضلال، ولذلك إذا كانت الوحدة مبنية على هذه الأصول الكبار العظيمة، ووفق الفهم الشرعي السليم البعيد عن الانحياز فإنها تكون وحدةً راسخة ثابتة مستقرة لا تتغير بالمتغيرات؛ والمتفقون عليها بمأمن من الخلاف الذي يُحْدِث الفرقة والانشقاق، بينما بناء الوحدة على غير هذه الأسس أو عليها، ولكن مضافاً إليها شروط، وفروع، وتفاصيل، واجتهادات، ومفردات أخرى يجعل هذه الوحدة عرضةً للخلاف كلما مر جزء من الوقت، وكلما تنوعت الاجتهادات، وكلما كثر الناس، وكبرت عقولهم، واتسع علمهم، وبحثوا وحققوا.



ولذلك تجد الطلبة –مثلاً- حينما يتلقون عن شيخهم أول الأمر؛ فإنهم يأخذون اجتهاداته وترجيحاته مأخذ التسليم؛ لأنه ليس عندهم تأهل علمي للبحث، والتحري، والمراجعة، والتصحيح، والتحقيق، لكن عندما يكبرون، وتتسع علومهم ومداركهم، ويتحولون إلى نوع من الاجتهاد، والبحث في الكتب، والنظر في أقوال أهل العلم، يبدؤون بمخالفة شيوخهم في الاجتهادات أحياناً، وقد يختارون من الأقوال غير ما اختار شيوخهم، وقد يوافقونهم على بعض الأمور، وقد يوافقونهم على جزء من القول، ويخالفونهم على جزء آخر منه، فهنا لم تكن الوحدة، ولم يكن الولاء مبنياً على هذه المفردات، أو على هذه الفروع، أو على هذه الاجتهاديات القابلة للمراجعة، وللنظر وللتصحيح، فلو كانت الوحدة مبنية على هذا لكان بناءً على غير أساس، أو على أساس من الملح إذا جاءه المطر ذاب وانهار، أما إذا كان البناء مبنياً على قواعد راسخة وصلبة من البناء القوي المتين المحكم فإنه يكون بمنجاة من التعرض للخلل أو الاهتزاز يوماً من الأيام.



فإذا كانت الوحدة وكان الولاء مبنياً على اختيار قول فقهي خلافي، ومنابذة من خالف هذا القول سواءً كان في مسائل العبادات أو المعاملات أو غيرها، أو بنيت الوحدة على فرع ينتج من تطبيق مبدأ على محلّه، فقد يكون المبدأ متفقاً عليه، لكن تطبيقه على المحل موضع اختلاف بين النظار والفقهاء، كذلك إذا بنيت على رأي خاص في بعض النوازل وبعض المسائل الاجتهادية الطارئة.



فمثلاً: قوم اجتمعوا وتحالفوا على التزام جلسة الاستراحة في الصلاة، واعتبار أن من الشروط الإيمان بأن هذه الجلسة مطلوبة، بل يبالغ بعضهم ويقول: إن هذه الجلسة وإن كانت مستحبة إلا أنها أصبحت شعاراً لنا يميزنا عن غيرنا من الناس من المسلمين، مع أن التميّز عن عامة المسلمين ليس مطلوباً في الأصل إلا أن يكون تميّزاً بحقٍ لابد للإنسان منه، من غير أن يتقصد أو يتعمد التميّز أو الشهرة عن جماعة المسلمين، وإذا كان الاتفاق والولاء والوحدة مبنية على الجهر بالبسملة في الصلاة، أو الإسرار بها، أو على وضع اليدين على الصدر أو أسفل من ذلك، أو على القنوت في الصلاة أو ترك القنوت، أو على القول بإبطال الحجامة للصيام، أو على الحكم بتكفير شخص أو جماعة، أو فئة، أو طائفة، أو بدعية هؤلاء مما ليس أمراًً قطعياً ولا ظاهراً؛ وإنما قد يكون -على أحسن الأحوال- محلَّ نظر وتردد واجتهاد، وقد يكون خطأً من قائله؛ فإذا كان الاجتماع مبنياً على مثل هذه المعاني فإن معنى ذلك أن الوحدة عرضة للتغـيّر بعد حين، وهو اجتماع -لا محالة- آيل إلى الفراق؛ لأن هذه الأمور مع تقدم الوقت، وسماع الإنسان أدلة أخرى ووجهات نظر أخرى تتغير قناعته، ويبدأ التحرير والبحث والتحقيق؛ خصوصاً إذا كان عنده قدر من الولاء للحق والرغبة في الوصول إليه؛ فيؤول الأمر إلى انشقاق طويل عريض.



والاجتماع لا يكون إلا على قبول الاختلاف، فقد اختلف الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- في حالات متعددة والوحي يتنـزل عليهم صباح مساء، ومن ذلك قصة موسى -عليه الصلاة والسلام- لما ذهب إلى ربه وترك أخاه هارون مع قومه، وقال لـه:"اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ"[الأعراف:142]؛ فعبد بنو إسرائيل -من بعد موسى- عجلاً "وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ"[الأعراف:148]؛ فنهاهم هارون -عليه الصلاة والسلام- عن ذلك وقال: إنما هذا من الشيطان وإنما فتنتم به, وأمرهم باتباع موسى -عليه الصلاة والسلام-، ولكنه بقي معهم، فلما جاء موسى -عليه الصلاة والسلام- ورأى ما رأى غضب "وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ"[الأعراف:150]، وعاتبه على ذلك: "قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي"[طه: 92, 93] فكان موسى يعتب على هارون، ويطالبه بموقف آخر مختلف غير الذي فعل؛ فيقول لـه هارون:"يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي"[طه:94] أي: أنا نظرت إلى الموضوع من زاوية ثانية رأيت ألاّ أفرق هؤلاء، وأن أبقى معهم حتى تعود وترى فيهم رأيك وأمرك؛ ولهذا قال قتادة عند هذه الآية: قد كره الصالحون الفرقة قبلكم.



فهارون -عليه الصلاة والسلام- كان مأخذه الحرص على بقائهم واجتماعهم حتى يأتي موسى -عليه الصلاة والسلام- فيعالج الأمر بما يراه، مع أنه بذل لهم النصيحة والوسع, فهذا نموذج للاختلاف في معالجة بعض المواقف الطارئة أو المستجدة, أو ما يسمى -لدى الفقهاء- بالنوازل, حتى بين الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-.



وذلك أنه اختلاف اجتهادي إجرائي مبناه على تحصيل مصلحة الإسلام العليا, وليس توحيد الله -تعالى- محل خلاف, بل هو دعوة الأنبياء جميعاً, ولا رفض الشرك وأهله محل خلاف, بل هو جزء من شهادة أن لا إله إلا الله, وإنما الاختلاف جرى في طريقة تحصيل أعلى المصلحتين, ودفع أعلى المفسدتين, ونعوذ بالله أن يبلغ الجهل بأحد أن يصنف هذا التفاوت على أنه خلاف في الأصـول والثوابت, فهذا تنقيص من مقام الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-.



ومن هذا الباب قصة موسى والخضر، التي حكاها الله –تعالى- في كتابه في سورة الكهف وقد اعترض موسى على الخضر ثلاثـًا فقال:"أخرقتها لتغرق أهلها" "أقتلت نفساً زكية بغير نفس" "لو شئت لاتخذت عليه أجرا" وبيَّن له الخضر بعدُ سرَّ ما رآه , محتجاً بالوحي "وما فعلته عن أمري".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
ضيف
avatar


الـجــــــنــــس : انثى
عدد المشاركـات : 9672
الدولة : وحدة الصف لا وحدة الرأي Ymany10
المزاج : وحدة الصف لا وحدة الرأي 510

وحدة الصف لا وحدة الرأي Empty
مُساهمةموضوع: رد: وحدة الصف لا وحدة الرأي   وحدة الصف لا وحدة الرأي I_icon_minitimeالخميس مايو 07, 2009 11:17 am

وهذا درس عظيم رفيع في فقه الصحبة والتعامل مع الخلاف والتراجع, ودرس رديف في الصبر وطول النَّفَس؛ لأن كثيرًا من الناس لا يصبر على ما لم يُحِطْ به خُبْرا.



وموسى -عليه الصلاة والسلام- كان نبياً رسولاً من أولي العزم, وكانت الأولى منه نسياناً, والثانية إنكاراً على ما ظهر له مخالفته للشريعة... ويتأمل ماذا كانت الثالثة؟ فالله أعلم.



وكذلك قصة احتجاج آدم وموسى، وهي في البخاري (6614) ومسلم (2652) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"احتج آدم وموسى فقال له موسى: يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة! قال له آدم: يا موسى! اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده, أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟! فحج آدمُ موسى, فحج آدمُ موسى" ثلاثا, وهذا الحديث ليس هذا محل تفصيله, ولابن تيمية رسالة لطيفة بعنوان (الاحتجاج بالقدر) يمكن مراجعتها، وإنما المقصود هنا أنه حصل بين آدم وبين موسى -عليهما السلام- نوع من المراجعة والاختلاف, فموسى -عليه السلام- عاتب آدم -عليه السلام- على شيء، وآدم -عليه السلام- رد بجوابٍ آخر, والنبي –صلى الله عليه وسلم- حكم بينهما وبين أن حجة آدم -عليه السلام- أغلبُ وأصوب؛ لأنه احتج بقدر على أمرٍ مضى وانقضى وعلى أمرٍ قد تاب منه وأناب و اجتباه ربه وتاب عليه وهدى.



وفي قصة موسى ومحمد -عليهما الصلاة والسلام- في حادثة المعراج, وأن النبي –صلى الله عليه وسلم- لما مر على موسى -عليه السلام- وأخبره بالصلوات الخمسين وفرضيتها, قال: إني قد عالجت بني إسرائيل قبلك أشد المعالجة, وإن أمتك لا تطيق ذلك, ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف؛ فرجع النبي –صلى الله عليه وسلم- حتى كان آخر ذلك أنه قال –صلى الله عليه وسلم- له راجع ربك, فقال –صلى الله عليه وسلم-:"قد استحييت من ربي" انظر ما رواه البخاري (349) ومسلم (162) من حديث أنس -رضي الله عنه-.



فهنا مراجعة, ومحاولة إقناع واقتراح وإلحاح، لكنها –أيضاً- في حدود معينة, ولا شك أن موسى -عليه السلام- كان له مأخذ من خلال تجربة ومعايشة مع بني إسرائيل, ورأى في بني إسرائيل من التلوّم، والضعف، والتراجع، والتردد ما جعله يقول هذا, والنبي -صلى الله عليه وسلم- استجاب له أولاً، وثانياً، وثالثاً, حتى استحيا من ربه, وكان في هذا حكمة بالغة؛ لأن في هذه الأمة المحمدية الخاتمة من الفضل والمكانة، والسؤود والرفعة ما ليس لبني إسرائيل.



فهذا أمرٌ جبل الله –تعالى- عليه العباد, ومن الخطأ أن نظن أن فلاناً أتقى لله -تبارك وتعالى- لأنه أشد في الدين أو في المواقف؛ فالشدة هنا قد تكون في طبعه، وهي خارجة عن اللزوم الشرعي.



عن عبد الله قال: لما كان يوم بدر، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟" قال: فقال أبو بكر: يا رسول الله، قومُك وأهلُك، استَبْقِهِمْ، واستأْنِ بهم، لعل الله أن يتوب عليهم، قال: وقال عمر: يا رسول الله، أخرجوك وكذَّبوك، قَرِّبهم فاضرب أعناقهم. قال: وقال عبد الله بن رواحة:يا رسول الله، انظر وادياً كثير الحطب، فأدخلهم فيه ثم أَضْرِم عليهم ناراً. قال: فقال العباس: قَطَعْتَ رَحِمَك. قال: فدخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يرُدَّ عليهم شيئاً، قال: فقال ناسٌ: يأخذ بقول أبي بكر، وقال ناس: يأخذ بقول عمر، وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة. قال: فخرج عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال:"إن الله لَيُلِيْنُ قلوب رجالٍ فيه، حتى تكون أَلْيَن من اللبن، وإن الله ليشُدُّ قلوب رجال فيه، حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مَثَلَك يا أبا بكر كَمَثَل إبراهيم -عليه السلام-، قال:"فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم" ومَثَلُك يا أبا بكر كَمَثَل عيسى، قال:"إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم" وإن مثلك يا عمر كمثل نوح، قال:"ربِّ لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً" وإن مثلك يا عمر كمثل موسى، قال:"ربِّ اشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم" ..." الحديث رواه الترمذي (1714) وأحمد (3632).



فاللين هنا محمود؛ لأنه في الله –سبحانه وتعالى- لكنه تكويني وجبلي, فقد يكون من طبعي أنني لين, وأحب أن يسلم الناس, وأن يؤمنوا وأن يتقوا الله –سبحانه وتعالى- فأرفق بهم، وأوسع عليهم رغبة في تأليفهم على الإسلام، وهذا نموذجه أبو بكر -رضي الله عنه-, ولهذا قال:"إن الله ليلين قلوب رجال فيه"، وليس هذا اللين خارجاً عن الشريعة, مثل أن يكون إقراراً لهم على معصية، أو موافقة لهم على مخالفة شرعية صريحة، أو ما أشبه ذلك من المعاني، كذلك التشديد لما قال:"ليشدد قلوب رجال فيه" هذه الشدة ليست مذمومة، فليست تنطعاً ولا غلواً، ولا إجحافاً، ولا إهداراً لحق الآخرين، وإنما هي شدة في الله -تبارك وتعالى- ولهذا قال:"حتى تكون أشد من الحجارة" فلا يفهم أن هذه قسوة مذمومة كقوله –تعالى-:"ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً"[البقرة: 74], وإنما هي شدة في الحق سببها الغضب لله -عز وجل-, والخيمة لدينه, فاللين مثاله أبو بكر -رضي الله عنه-, والشدة مثالها عمر -رضي الله عنه-، وأبو بكر أفضل من عمر -رضي الله عنهما- فلو وزن إيمانه بالأمة لوسعهم، وهو صدّيق هذه الأمة وأفضلها بعد نبيها –صلى الله عليه وسلم-، وقد جاء في مدحه من الفضائل ما لم يأت لغيره من الصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم-. فليس اللين -في حد ذاته- علامة على صدق التدين، كما أن الشدة والقوة ليست علامة على صدق التدين أيضاً.



التدين قد يكون سواء, لكنني عبرت عن التدين من خلال تكويني الذي جبلني الله –تعالى- عليه، وهو اللين، وأنت قد تكون عبرت عن هذا التدين بما جبلك الله –تعالى- عليه وهو القوة والشدة، وفي كلٍّ خير.



فها نحن نرى الخلاف -بعد ما رأيناه مع أنبياء الله ورسله- بين أصحاب محمد –صلى الله عليه وسلم- في مسألة اجتهادية تتعلق بالأسرى، ولهذا نظائر كثيرة جداً لا يمكن إحصاؤها، كاختلافهم في بني قريظة وهو معروف، واختلافهم في تولية بعض الأمراء كقصة أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- في سورة الحجرات، واختلافهم فيما لا يحصى من المسائل الفقهية في العبادات، والبيوع، والأنكحة، وغيرها.



وهذا كله مما لا حيلة في دفعه ، فهو أمر واقع لا مفرَّ منه؛ لأنه مترتب على طريقة تفكير الناس وتكوينهم وطبيعتهم وما جَبَلَهُم الله –تعالى- عليه، وأيضاً على علمهم ومدى ما وصلوا إليه من تصحيح نصٍ أو تضعيفه، ومن فهمه على وجهه أو على وجه آخر, أو ما أشبه ذلك من الاعتبارات التي ذكر كثيرًا منها الإمام ابن تيمية في كتابه "رفعُ الملامِ عن الأئمةِ الأعلامِ".



والمعاندة لهذا الاختلاف مما لا مصلحة فيه؛ لأنها معاندة للفطرة, ومعاندة للجبلة والطبيعة التي فطر الله الناس عليها، فلم يبق إلا تسويغه وقبوله وفق ضابط أصلي وهو ألاَّ يقع هذا الخلاف في الضروريات وفي المحكمات التي أجمع عليها السلف –رضي الله عنهم-، ولا مانع من استقراء ضوابط أخرى في بعض الأحيان مما يكون في حدود الاعتدال، وتكون للمدارسة والمراجعة، ولا يكون هذا إخلالاً بالمحكمات، وهذا مما لابد منه، وهو أمر واضح مستقر -كما أسلفنا-.



(في الفروع لا الأصول)



ويكون الخلاف في الفروع وليس في الأصول، فالسلف متفقون –مثلاً- على أن الصلاة ركن من أركان الإسلام, وأن من جحد وجوبها فهو كافر؛ لكنهم مختلفون في صفة الصلاة وتفاصيلها، وفي بعض شروطها، وفي بعض واجباتها، وفي حكم تاركها؛ فلا يجوز أن تحوّل نقطة من هذه النقاط إلى محل وحدة، وأن الخلاف فيها يفضي إلى فرقة، وتنازع، وتحزب، واتهام.



جاءني سؤال من بعض الإخوة يقول: إن عندنا قوماً في بعض الدول الإسلامية -دول المغرب العربي- يقولون: إن من جادل في كفر تارك الصلاة فهو ليس من الفرقة الناجية, وهذا الكلام ليس بصحيح لعدة أمور:



أولاً: هذا القول لم يقل به أحد من السلف.



ثانياً: هذا القول يترتب عليه أن يكون الإمام مالك والشافعي وأبو حنيفة ليسوا من الفرقة الناجية؛ لأنهم لا يقولون بكفر تارك الصلاة.



ولذا فقد أُرَجِّح أن تارك الصلاة كافر, أو أرجح كما رجَّح الإمام ابن تيمية أن التارك بالكلية الذي يترك ولا يصلي ليلاً ولا نهاراً، ولا في رمضان ولا غيره، ولا جمعة ولا جماعة، ولا بالمناسبات بل هو مقاطع للصلاة مقاطعة تامة أن هذا يكون في عداد الكافرين؛ للنصوص الواردة.



ولكن تبقى المسألة من مسائل الفقه التي وقع فيها الخلاف بين السلف, فكوني أرجح قولاً وأختاره, هذا لا تثريب فيه , لكن كوني أنقل اختياري وترجيحي وأدخله ضمن المحكمات التي لا تكون الوحدة ولا الاجتماع إلا عليها, ومن خالف فيها أخرجته من الفرقة الناجية أومن السلف الصالح، فهذا غلط ظاهر, وفيه مصادرة لاجتهادات ربما كانت أصوب من غيرها.



وكذلك نجد أن السلف متفقون على ربانية القرآن الكريم, وأنه من عند الله –سبحانه وتعالى- وأنه منـزل غير مخلوق, ومتفقون على مرجعية القرآن, ولكنهم قد يختلفون في تفسير آية من القرآن الكريم، هل الآية محكمة أو منسوخة؟ وقد يختلفون في بعض الحروف والقراءات الواردة في القرآن الكريم.



وكذلك هم متفقون على مرجعية السنة النبوية "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا"[الحشر:7] ولكنهم قد يختلفون في تصحيح حديث أو تضعيفه, أو الجمع بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض، ويختلفون في فهم بعض النصوص؛ ولهذا جرى الخُلْف بينهم –رضي الله عنهم-، حتى في بعض الأشياء الظاهرة التي قد يستغرب البعض كيف اختلفوا فيها؟!



فقد اختلفوا في الأذان, وهو يُردَّد كل يوم وليلة خمس مرات منذ عهد النبي –صلى الله عليه وسلم-، ومع ذلك اختلف النقل في صفة الأذان، وفي صفة الإقامة، وفي القنوت، وفي الجهر بالبسملة، وفي مواقيت الصلاة، وفي حروف القراءات، وفي أنواع التشهد، وفي صفة الحج وغيرها من أحكام الأنساك، وفي مقادير الزكاة، والأموال الزكوية وغير الزكوية.



واختلفوا من ذلك في شيء عظيم، كما هو معروف في مظانّه من كتب الفقه. ووجود هذا الاختلاف لا يعني أن الإنسان ينتقي حسب ما يشتهي، بل يدع هذا لطلبة العلم الذين يرجحون وفق ضوابط وقواعد مقررة معتبره.



(في الوسائل لا المقاصد)



ويكون الخلاف في الوسائل وليس في المقاصد, فالمقاصد شرع متفق عليه كما ذكرنا , مما هو في حفظ الضروريات الخمس, والدعوة إلى الله –تعالى- كمثال هي من المقاصد الشرعية المتفق عليها, وأجمع المسلمون على وجوب الدعوة إلى الله –تعالى-، وأنها فرض إما عيناً أو كفاية:"ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ"[النحل: 125]، "وَادْعُ إِلَى رَبِّك"[الحج: 67]، "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ"[يوسف:108] لكن وسائل الدعوة تختلف من زمان إلى زمان، ومن بلد إلى بلد؛ لأن الأصل في هذه الوسائل الإباحة, وقد يجدُّ للناس وسائل جديدة, وتنتقل بعض الوسائل من الإباحة إلى الوجوب أحياناً لعارض يجعل الدعوة والتبليغ لا يتحقق إلا بواسطتها؛ فنجد أن الاختلاف في وسائل الإعلام اليوم، أو وسائل الاتصال من الاختلاف السائغ الذي لا يوجب الاجتهاد فيه نوعاً من المغاضبة ولا التفرق, بل يجب أن ندرك أن الهدف والمقصد هو نشر الدعوة إلى الله –سبحانه وتعالى-، وإيصالها إلى الناس وإلى المحتاجين وإلى من يجهلونها، ومخاطبة شرائح عريضة بمثل هذا الأمر دون حجر، أو تثريب، أو تشغيب.



(اختلاف تنوُّع)



ويكون الاختلاف في أمور مما يسميه العلماء اختلاف التنوع, فهناك –مثلاً- فروض الكفايات، هناك من يقوم بأمر الدعوة إلى الله وتبليغ الدين، وهناك من يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإن الله -سبحانه وتعالى- يقول:"وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"[آل عمران:104] أي: أمة من مجموعكم, فينبري لهذا العمل طائفة من الناس, وهناك فروض يقوم بها أقوامٌ آخرون، والجهاد أيضاً هو من الفروض التي ينبري لها أقوام سخرهم الله –سبحانه وتعالى- واستعملهم في ذلك ممن يجودون بأرواحهم إذا ظن الناس وأحجموا, وهناك العلم والتعلم تقوم به طوائف من العلماء، والمتفقهين، والمعلمين الشرعيين وغيرهم, وهكذا جميع متطلبات الحياة, بل إن الذين يقومون على معاش الناس، وعلى مصالحهم وصحتهم وعلاجهم، وسفرهم وإقامتهم وحمايتهم، كل هؤلاء يقومون بفروض كفايات تحتاجها الأمة, ولا بد لها منها سواء عرفوا هذا أم لم يعرفوه، احتسبوا فيه أم لم يحتسبوا إلا أنهم في الجملة يقومون بأشياء من فروض الكفايات، ولا يلزم لمن فتح الله –تعالى- له باب خير أن يزدري ما لدى الآخرين؛ لأن هذا يدخل في قول الله –تعالى-:"وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ"[المائدة: 13]، فالشريعة والملة لا يستطيع أن يحيط بها فرد واحد, وإنما لابد فيها للأمة كلها, فيقوم أقوام بجانب، ويقوم آخرون بجانب، ونسيان حظ مما ذكرنا به هو من أسباب العداوة والبغضاء.



يقول الإمام ابن تيمية -مجموع الفتاوى (1/12 ـ 17)-:"فأخبر الله -تعالى- أن نسيانهم -يعني أهل الكتاب- حظاً مما ذُكِّروا به، وهو ترك العمل ببعض ما أمروا به كان سبباً لإغراء العداوة والبغضاء بينهم, وهذا هو الواقع في أهل ملتنا, مثلما نجده بين الطوائف المتنازعة في أصول دينها وكثير من فروعه، ومثلما نجده بين العلماء والعباد ممن يغلب عليهم الموسوية، أو العيسوية -يعني: التشبه باليهود، أو التشبه بالنصارى- حتى يبقى فيهم شبه من الأمتين اللتين قالت كل واحدة ليست الأخرى على شيء -يعني كما قال الله –تعالى-:"وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ"[البقرة:113]، وهكذا النصارى قالوا:"لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ"[البقرة:113]؛- ثم قال: كما نجد المتفقه المتمسك من الدين بالأعمال الظاهرة، والمتصوف المتمسك منه بأعمال باطنة، كل منهما ينفي طريقة الآخر, ويدعي أنه ليس من أهل الدين، أو يعرض عنه إعراض من لا يعده من أهل الدين- أي: إما يدعي هذا بقوله أو بفعله- فتقع بينهما العداوة والبغضاء، وذلك أن الله –سبحانه وتعالى- أمر بطهارة القلب، وأمر بطهارة البدن, وكلا الطهارتين من الدين الذي أمر الله به وأوجبه... فنجد كثيراً من المتفقهه والمتعبده إنما همه طهارة البدن فقط ويزيد على المشروع اهتماماً وعملاً ويترك من طهارة القلب ما أمر به إيجاباً أو استحباباً، ولا يفهم من الطهارة إلا ذلك- يعني: طهارة البدن- ونجد كثيراً من المتصوفة والمتفقرة -أي : الفقراء- إنما همته طهارة القلب فقط حتى يزيد فيها على المشروع اهتماماً وعملاً، ويترك من طهارة البدن ما أمر به إيجاباً أو استحباباً, فالأولون -الذين هم المتفقهة- يخرجون إلى الوسوسة المذمومة في كثرة صب الماء، وتنجيس ما ليس بنجس, واجتناب ما لا يشرع اجتنابه, مع اشتمال قلوبهم على أنواع من الحسد والكبر والغل لإخوانهم -ولا يقصد التعميم وإنما طائفة من الناس- وفي ذلك مشابهة بينة لليهود, والآخرون -يعني: المتصوفة- يخرجون إلى الغفلة المذمومة؛ فيبالغون في سلامة الباطن حتى يجعلون الجهل بما تجب معرفته من الشر الذي يجب اتقاؤه، يجعلون ذلك من سلامة الباطن، ولا يفرقون بين سلامة الباطن من إرادة الشر المنهي عنه وبين سلامة القلب من معرفة الشر المعرفة المأمور بها، ثم مع هذا الجهل والغفلة قد لا يجتنبون النجاسات ، ولا يقيمون الطهارة الواجبة مضاهاة للنصارى، وتقع العداوة بين الطائفتين بسبب ترك حظ مما ذكروا به، والبغي الذي هو مجاوزة الحد إما تفريطاً وتضييعاً للحق، أو عدواناً وفعلاً للظلم, والبغي تارةً يكون من بعضهم على بعض، وتارةً يكون في حقوق الله –تعالى- وهما متلازمان، ولهذا قال الله –تعالى-:"بَغْياً بَيْنَهُمْ"[آل عمران:19]، فإن كل طائفة بَغَتْ على الأخرى فلم تعرف حقها الذي بأيديها، ولم تكُفَّ عن العدوان عليها... فظهر أن سبب الاجتماع والألفة جمعُ الدين, والعمل به كله, وهو عبادة الله وحده لا شريك له, كما أمر به باطناً وظاهراً.



وسبب الفرقة: ترك حظٍّ مما أُمِر العبد به, والبغي بينهم.



ونتيجة الجماعة: رحمة الله, ورضوانه, وصلواته، وسعادة الدنيا والآخرة, وبياض الوجوه.



ونتيجة الفرقة: عذاب الله, ولعنته, وسواد الوجوه, وبراءة الرسول منهم" انتهى كلامه -رحمه الله-.



وإذا كان الشيخ -رحمه الله- تكلم بهذا المثال الذي ينبع من صميم واقعه ومعاناته؛ فإن بإمكانك أن تنقل هذا المثال إلى كثير من المتنافسين اليوم حتى من أهل الخير، وأهل الاتباع، وأهل السنة، فتجد بينهم من المنافسة في الأمور العلمية، أو العملية، أو التعبدية، أو أصناف الخير ذلك ما يفضي إلى هذه المجافاة، وإلى ازدراء وتحقير ما عند الآخرين، وإلى البغي والعدوان والاستطالة عليهم, وما أشبه ذلك من مصادرة الجهود والتقصير في حقوق الأُخوّة.



(قسمة ثلاثية)



هناك قسمة ثلاثية دارجة في كثير من الأشياء : أعلى وأدنى ووسط .



يقع هذا في المال، هذا غني وذاك فقير وهذا وسط، وغالب الناس يقعون في منطقة الوسط، ويقع هذا في الجمال؛ فهناك من هو مفرط الجمال، وهناك من هو دميم وهناك الوسط وهم غالبية الناس، ويقع هذا في القوة فهناك الأيّدُ الشديد، وهناك الضعيف، وهناك الوسط بينهم، ويقع ذلك في العلم؛ فهناك العالم المتبحر، وهناك الجاهل المركب، وهناك الوسط وهم غالب الناس، ويقع هذا في الدين وفي الصدق وفي الأخلاق وفي البر ...



ففي كل الأشياء أوجلّها هناك قسمة ثلاثية تقريبية يمكن أن يقسم الناس أو يصنفوا إليها، فمن الناس من يستولي على الذروة العليا، ويكون في أسنى المقامات، ومنهم من يكون في أحط المنازل وأقلها، ومنهم الوسط وهم الغالب الكثير السواد الأعظم وقد يكون من ذلك الاعتدال، فهناك من يكون في غاية الاعتدال وهناك من هو ضعيف الاعتدال، وهناك من هو متوسط في ذلك .



فلم لا نقبل بأن يتكامل الصف الإسلامي ويتشكل في ثلاث دوائر عريضة ؟



الدائرة الأولى : دائرة الوسط، وهي الكثرة الكاثرة من العلماء والمصلحين والدعاة والعامة، التي لديها قدر من الاعتدال وقدر من التوسط وإن كانت تتفاوت فيما بينها، فهي ليست على قلب رجل واحد، لكن يحكمها هذا الإطار العام .



الدائرة الثانية : الدائرة التي تأخذ بالقوة والشدة وهي دائرة تنبري للمواقف الصعبة وتتصدى لها يتناسب هذا مع تكوينها الشخصي وبنائها النفسي ويحقق في الوقت ذاته القيام بجوانب من الشريعة قد يفوت غيرهم القيام بها لكن شريطة ألاّ تشتمل هذه القوة والشدة على خروج عن الحد الشرعي عن المحكمات التي ذكرناها إلى نوع من الغلو في الدين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
رضوان
ادارة المنتدى
   ادارة  المنتدى
رضوان


الـجــــــنــــس : ذكر
الـ ـع ــــــمــــــــر : 44
عدد المشاركـات : 9253
الدولة : وحدة الصف لا وحدة الرأي Ymany10
  : وحدة الصف لا وحدة الرأي 2_s1p

وحدة الصف لا وحدة الرأي Empty
مُساهمةموضوع: رد: وحدة الصف لا وحدة الرأي   وحدة الصف لا وحدة الرأي I_icon_minitimeالخميس مايو 07, 2009 1:39 pm

بورك فيك عبد العليم

بس الموضوع طويل ولقد قرأنا بعض السطور النيرة

شكرا لكم

وفق الله الجميع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
ضيف
avatar


الـجــــــنــــس : انثى
عدد المشاركـات : 9672
الدولة : وحدة الصف لا وحدة الرأي Ymany10
المزاج : وحدة الصف لا وحدة الرأي 510

وحدة الصف لا وحدة الرأي Empty
مُساهمةموضوع: رد: وحدة الصف لا وحدة الرأي   وحدة الصف لا وحدة الرأي I_icon_minitimeالخميس مايو 07, 2009 1:59 pm

شكرا لك اخي رضوان
جزاك الله خير
تشرفنا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو ياسر
نائب المدير العـــام
  نائب المدير العـــام
ابو ياسر


الـجــــــنــــس : ذكر
عدد المشاركـات : 22622
الدولة : وحدة الصف لا وحدة الرأي Ymany10
  : وحدة الصف لا وحدة الرأي 70

وحدة الصف لا وحدة الرأي Empty
مُساهمةموضوع: رد: وحدة الصف لا وحدة الرأي   وحدة الصف لا وحدة الرأي I_icon_minitimeالخميس مايو 07, 2009 3:33 pm

بارك الله فيك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الوريث
عضو ملكي
عضو ملكي
الوريث


الـجــــــنــــس : ذكر
عدد المشاركـات : 2485
الدولة : وحدة الصف لا وحدة الرأي Ymany10

وحدة الصف لا وحدة الرأي Empty
مُساهمةموضوع: رد: وحدة الصف لا وحدة الرأي   وحدة الصف لا وحدة الرأي I_icon_minitimeالخميس مايو 07, 2009 10:31 pm

بارك الله فيك
اخي عبدالعليم
موضوع قيم ومفيد
جزاك الله خير




دعاء دعاء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
وحدة الصف لا وحدة الرأي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات الصقراليماني :: المنتديات الاسلامية ::  القسم الاسلامي العام-
انتقل الى: