الوحدة أولى من المنصب

بينما جاء يوم 27 إبريل -المفترض إجراء الانتخابات النيابية فيه- يوماً ساخناً هادراً في زنجبار عاصمة محافظة أبين، التي شهدت مهرجاناً حاشداً فقد مر هذا اليوم في بقية المحافظات اليمنية هادئاً ساكناً من أي توترات أو أجواء مشحونة ترتكبها السلطة عادة في هذا اليوم مع كل انتخابات نيابية، فتسمم الأجواء بالتوتر وتشحن الصناديق بالتزوير، وتستبيح الخزانة العامة لشراء الذمم، وتزج بالقوات المسلحة والأمن في مهام بعيدة عن رسالتهم لتفرض نتائج انتخابية تكون حصيلتها أنها نتيجة لا تمثل إرادة الشعب فتعكس نفسها بصورة احتقانات ورفض في الشارع. تشيع السلطة في مثل هذا اليوم عادة جواً من الإرهاب والتخويف والفوضى، ولا يقتصر عبثها بالاستحواذ التام على لجنة (عبده) للانتخابات بل وتثني بتسخير مجموعة من القضاة ليبصموا على عرائض الطعون بنتائج الدوائر التي أفلتت من هيمنة السلطة عند الاقتراع، ولم تتنبه لها لجنة (عبده) عند الإعلان عنها، فيستدركها قضاة سخروا للأسف ليلعبوا دور المصادرة المنوط بهم. كل هذا العبث لم تشهده يوم 27إبريل هذه السنة، ومع ذلك لم يكن يوماً هادئاً أو ساكناً بالنسبة للسلطة، والمثل يقول (ما يقطع الله على آلف) فقد وقفت السلطة وجهاً لوجه مع يوم ساخن في محافظة أبين، لكنها ليست وحدها من صنع هذه السخونة هذه المرة وإنما اكتوت بما تقترفه وتمارسه في العادة من آثارة الأمول وإشعال الحرائق فكان (آخرة المحنش للحنش). فالألاعيب التي تمارسها السلطة والأعمال التي تؤججها انقلبت عليها، ودائماً ما ينقلب السحر على الساحر. إن إدارة البلاد بالمتنفذين أو ترك الحبل على الغارب للنهابة والبلاطجة لا يثمر غير هذه النتيجة، وإن ظن من يمارس هذا الأسلوب أنه يحكم له السيطرة، ثم لا ينتبه إلا وقد بدأت أطرافه تشتعل! كما أن ثمرة التزوير وتغييب إرادة الشعوب وإن بدت حلاوته لمن يمارسه في البداية، لكن عاقبته شديد المرارة وقد تكون قاتلة, والتنكر لشركاء العمل السياسي وعدم الوفاء معهم قد يغري فاعله بالمزيد منه والتمادي فيه، لكنه في النهاية يقضي على نفسه ويدمر مستقبله. كل هذه المصائب لا تأتي فرادى وإن كانت السلطة قد زرعتها ولعبتها واحدة تلو الأخرى لكنها اليوم يبدو أنها ستحصدها بالجملة، وكأني بقائل يهمس في أذن السلطة (يداك أوكتا وفوك نفخ)! إنه وضع لا يسر أحداً، ولكن النظام هو من أصر على ذلك فتنكر لكل العقلاء وتنكر لكل شركاء الحياة السياسية وعمل على تهميش وإقصاء الجميع وأطلق يد الفساد غير عابئ بأن يقع الظلم على الأفراد أو المجتمع، وعلى المدنيين أو العسكريين، كما لا يبالي أن تعطل القوانين أو ينتهك الدستور أو تسلب الحقوق .

إن على النظام أن يكف عن الإصلاحات الترقيعية، فما عاد لهذه الرقع أن تستر عوراته وأن عليه أن يقدم مصلحة اليمن الموحد حتى ولو تطلب الأمر التضحية بمنصب الرئاسة من أجل عزة اليمن وبقاء مشروعه الوحدوي الكبير.