وقفة مع وداع رمضان

عباد الله : أوصيكم ونفسي بتقوى الله فاتقوا الله عباد الله يرحمُكم الله :

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) .( يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) .

أيها الصائمون :

ها نحن اليوم في آخر جمعة من هذا الشهر العظيم ..شهر التوبة والغفران ...شهر البر والإحسان ..شهر العتق من النيران شهر أنزل فيه القرآن ..

أيها المسلمون :

لم يبقى من شهر رمضان سوى أيام معدودات ..ها قد مضت الأيام تلو الأيام و إذا بشهرنا تنقضي أيامه.. و تبلى أستاره و يأفل نجمه بعد أن سطع.. و يظلم ليله بعد أن لمع.. حقيقةً لا أدري أهنئكم بعيد الفطر المبارك ,أم أعزيكم بفراق شهر العتق و الغفران ، والله إن القلب ليحزن و إن العين لتدمع, و إنا على فراقك يا رمضان لمحزونون...حقا .. ذهبت يا رمضان ,و فجرت المدامع ,و اغتم القلب حزنا لفراقك..يا شهر الصيام ...؟ نعم رمضان....؟ لو تركت لنفسي العنان فلن أهدأ أبدا حتى أملا الدنيا رثاءاً لفراقكما أجملك...ما أحلاك... ما آنسك...سعدت بك قلوبنا.. واستضاءت بك وجوهنا.. وطهرت بك قلوبنا ، يا رمضان ..قد حرك حبك أغصان الإيمان في قلوبنا.

إخوة الإيمان : يا ليت شعري من الفائز في رمضان فنهنيه.. ومن الخاسر فينا فنعزيه ..؟ هنيئا للفائزين في رمضان ...هنيئا لمن صام رمضان إيمانا واحتسابا ..هنيئا له مغفرة الرحيم الرحمن .

أحبتي في الله :

قبل أن ينتهي رمضان وينفض سوق الرحمات والغفران ، هل لنا أن تقف مع أنفسنا وقفة للحظة ؟ .. قبل أن ينتهي رمضان وينفض سوق الغفران و الرحمات.. وقفة قبل أن يرحل عنا الشهر الحبيب وقد فاز فيه العاملون المخلصون وخسر فيه الغافلون .

قف مع نفسك .. اسألها .. حاسبها .. ماذا قدمت في رمضان ؟ هل حافظت على القرآن أم حافظت على المسلسلات ؟هل خشعت لله رب العالمين أم تسـمرت في خشـوع أمام الممثلين والممثلات الذين أتقنوا فن الفتنة و زرع الغفلة في القلوب ؟.

قف مع نفسك بصدق ... وتأمل أين نظرت العين أفي كتاب الله أم نظرت إلى الحرام ؟.. أين كان القلب ؟ عند الله أم عند الطعام والشراب ؟

أخي الحبيب :

قف وتأمل حالك .. اسأل نفسك : يا ترى لو مت الآن أين سأكون .. في الجنة أم أنا في النار ؟ .. يا ترى هل غفر لي ربي في رمضان ؟ أم خبت وخسرت ؟يا ليت شعري هل أنا من الذين أعتقهم الله في رمضان .؟

يا حسرة على ذلك العبد الخاسر.. الذي يأتيه موسـم الخير فيتركه وتلامسه الرحمات فينزع نفسه منها .. ماذا فعلت في رمضان ؟ كن صادقا مع نفسـك لتنجو .. هل اغتنمت موسم الخير ؟.. هل عرضت نفسك لنفحات الرحمة من الرحمن الرحيم ؟.

ها هي أيام الخير تمضى وترحل ..فيا أيها العبد الضائع .. يا من لا يملك عمره ولا يدرى مصيره .. يا من تحتاج إلى الرحمة وتبتعد عنها .. أيها الفقير إلى الله وكرمه .. لقد دخل عليك رمضان وها قد قارب أن ينتهي .. ألم يحن وقت الرجوع ؟ ألم يحن موعد التوبة الصادقة ؟ يا من ضاع منك رمضان .. إليك الفرصة الأخيرة لتلحق قطار الفائزين .. ففي كل يوم من رمضان ينجو من النار سبعون ألفا .. فا الحق بهم . وإياك إياك .. أن تفلت منك ليلة القدر ..الذي هي خير من ألف شهر ..خير من عمرك كله ..

ها نحن اليوم في لليلة سبعه وعشرين ...وقد تكون لليلية القدر كما أجمع كثير من العلماء أنها في السابع والعشرين ..قال عليه الصلاة والسلام ((من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))خسارة و حسرة إن ضاعت منك هذه الليلة ؟

أخي الحبيب:

واحرص أيضا على آخر ليلة من رمضان .. فإنها آخر الرحلة ونهاية السباق .. إنها آخر فرصة .. آخر نفحة من نفحات الشهر الحبيب .. وما يدريك لعله آخر رمضان ؟.. وفى هذه الليلة يعتق الله من النار مثل ما أعتقهم خلال الشهر .

فأي خسارة وأي حسرة..وندامة.. إن لم تعتق من النار وسط هذا العدد الكبير ؟اللهم اعتق رقابنا من النار يا رب العالمين .

أخي الصائم:

يا من صام لسانه في رمضان عن الغيبة والنميمة والكذب واصل مسيرتك..، وجدّ في الطلب..ويا من صام عن أكل الحرام واصل مسيرتك .. ويا من صامت عينه في رمضان عن النظر المحرم.. غضّ طرفك ما بقيت.. يورث الله قلبك حلاوة إيمان تجده في قلبك ما حييت..

يا شهر الصيام ما أسرعك..ما أسرعك يا رمضان وما أسرع رحيلك... لن ننسى المواقف المؤثرة حينما حللت ضيفا علينا يا ضيف البركة... والرحمة... والرضوان ، تحركت القلوب عندما أتيت وأنهلت دموع التائبين معلنين توبتهم النصوح من الذنوب والمعاصي..

وها نحن نقول:

لما مضت أيــام شهر الصيام *** فاضت دموعي مثل فيض الغمام

ناديت من وجدي و فرط الغرام *** لا أوحش الله منك ياشهر الصيام

شهر الصيام لقد عزمت على الرحيل ** وليس يبقى فيك إلا القـــليل

وحسبنا الله و نعم الوكيــــل *** ياليتــه للناس لو كان دام

شهر الصيام كُرمت يا شهر الخلود *** يابهجة المحيى و ياأنس الوجود

شهر الصيام أذنت ياشهر العظات *** يابهجة المحيى و أنس الممات

بشرى لنا مالباقيات الصالحات *** إلاّ ليــاليك الأخيرة أن تقـــام

شهر الصيام أذقتنــا مرَّ الوداع *** وتركت فينا حـرقة لا تستطاع

ياعين فيضي أدمعاً دون انقطـاع *** وابكي لدى توديع أيـام الصيام

شهر الصيام أذنت يانعم المجــير *** برحيلٍ عز دونه الدمع الغزير

لازلت محفوفاً بألطاف القديـــر *** بلغ إلى خير الورى منا السلام

شهر الصيام لمــا آذنت بالوداع *** حزنت عليك المآذن و الجوامع

هل أنت يارمضان إلينا راجع *** أحياك الله له في كـل عـــام

شهر الصيام لنا به كل اعتزاز *** في الدين و الدنيا و الآخرة جواز

يافوز من أمضاه في أرض الحجاز *** مابين طيبتها إلى بيت الـحرام

طوبى لعبد مخلص في حــبه *** بشرى له بمقــــالة من ربه

الصوم لي و أنا أجزي بــه *** نعم الجزاء بفضل أيــام الصيام

شهر الصيام.. هذا الوداع لتنحني منا الرؤوس ** وابكو على توديع أيام الصيام

يارب فاغفر لنا ذنباً مضــى *** وارحم عبيداً قصده دار الرضا

شهر الصيام كرمت يا شهر التقى *** يابحر خير زاد ياكـنز النقـا

هذا الوداع متـى يكون الملتقى *** أحياكم الله له في كــــل عام

ختمت قولي بالصلاة على النبي *** مكي حـجازي هاشمـي عربـي

صلى عليه أله العرش في الكتب *** ماغرد القمري ونـــاح الحمام.

قلت ما سمعتم فاستغفروا الله لي ولكم ولسائر المسلمين إنه غفور رحيم .

الخطبة الثانية :

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين أصطفى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم .. ثم أما بعد :

أيها المسلمون :

بقي أن أذكر نفسي وإياكم به.. بفريضة الزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام ..فريضة شرعية ..

الزكاة إخوة الإيمان هي أحد الأمور التي هي أعظم أمور الإسلام، ومنع الزكاة لمن وجبت عليه من الكبائر لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله ءاكل الربا وموكله ومانع الزكاة".

فمن منعها بعد أن وجبت عليه وهو يعتقد بوجوبها لا يكفر لكنه عصى الله معصية كبيرة، يقول الله سبحانه وتعالى عقاب من تهاون بها أو رفض إخراجها بقوله سبحانه ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم، يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) . التوبة/ 34 :35 .

فنصيحتنا لإخواننا التجار وأصحاب الأموال التي قد تكون بلغت النصاب ووجب فيها الزكاة أن يسألوا أهل العلم الثقات عن الحكم الشرعي في أموالهم وفي تجارتهم،،وعليهم أن يبادروا في إخراج زكاة أموالهم ..ويتفقدوا الفقراء والمساكين والأيتام والمحتاجين ..الذي بين القرآن الكريم لمن تجب لهم الزكاة .وهم الأصناف الثمانية .﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ التوبة/ 61.

ولا تنسوا زكاة الفطر أن تعطوها الفقراء والمساكين والمحتاجين ..كما حث القرآن الكريم ..وحثنا عنها النبي صلى الله عليه وسلم:في الحديث عن ابن عمر ، قال : " فرض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – زكاة الفطر صاعاً من تمر ، أو صاعاً من شعير على العبد والحر ، والذكر والأنثى ، والصغير والكبير ، من المسلمين ، وأمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة ".

زكاة الفطر واجبه على كل مسلم.. وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال :" فرض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث ، وطعمة للمساكين "

زكاة الفطر طهر للصائم وتكملة لصيامه ..وكذلك لإشاعة المحبة والتعاون والتكاتف والتعاطف بين الغني والفقير والناس أجمعين وأنت تخرجها للفقير أو اليتيم ترسم البسمة على شفتيه ..ويرق قلبك مشهد عظيم عندما ترى الناس يتفقد بعظهم بعضا ..وهم يحققون مبدأ المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا ...وفي رواية ((المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد ...)) .

سائلاً الله تعالى لك الهداية والتوفيق والسداد .

وصلوا وسلموا عباد الله على نبيكم..

الدعاء ...

:دعاء:

:تشرفنا: